الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور استئناف فيه عود إلى الاستدلال ، وإدماج للامتنان ، فإن خلق الأرض التي تحوي الناس على وجهها أدل على قدرة الله تعالى وعلمه من خلق الإنسان إذ ما الإنسان إلا جزء من الأرض أو كجزء منها قال تعالى منها خلقناكم ، فلما ضرب لهم بخلق أنفسهم دليلا على علمه الدال على وحدانيته شفعه بدليل خلق الأرض التي هم عليها ، مع المنة بأنه خلقها هينة لهم صالحة للسير فيها مخرجة لأرزاقهم ، وذيل ذلك بأن النشور منها وأن النشور إليه لا إلى غيره .

والذلول من الدواب المنقادة المطاوعة ، مشتق من الذل وهو الهوان والانقياد ، [ ص: 32 ] فعول بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وتقدم في قوله تعالى إنها بقرة لا ذلول الآية ، في سورة البقرة ، فاستعير الذلول للأرض في تذليل الانتفاع بها مع صلابة خلقها تشبيها بالدابة المسوسة المرتاضة بعد الصعوبة على طريقة المصرحة .

والمناكب : تخييل للاستعارة لزيادة بيان تسخير الأرض للناس فإن المنكب هو ملتقى الكتف مع العضد ، جعل المناكب استعارة لأطراف الأرض أو لسعتها .

وفرع على هذه الاستعارة الأمر في فامشوا في مناكبها فصيغة الأمر مستعملة في معنى الإدامة تذكيرا بما سخر الله لهم في المشي في الأرض امتنانا بذلك .

ومناسبة وكلوا من رزقه أن الرزق من الأرض . والأمر مستعمل في الإدامة أيضا للامتنان ، وبذلك تمت استعارة الذلول للأرض ؛ لأن فائدة تذليل الذلول ركوبها والأكل منها . فالمشي على الأرض شبيه بركوب الذلول ، والأكل مما تنبته الأرض شبيه بأكل الألبان والسمن وأكل العجول والخرفان ونحو ذلك . وجمع المناكب تجريد للاستعارة ؛ لأن الذلول لها منكبان والأرض ذات متسعات كثيرة .

وكل هذا تذكير بشواهد الربوبية والإنعام ليتدبروا فيتركوا العناد ، قال تعالى كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون .

وأما عطف وإليه النشور فهو تتميم وزيادة عبر استطرون لمناسبة ذكر الأرض فإنها مثوى الناس بعد الموت .

والمعنى : إليه النشور منها ، وذلك يقتضي حذفا ، أي وفيها تعودون .

وتعريف النشور تعريف الجنس فيعم أي كل نشور ، ومنه نشور المخاطبين فكان قوله وإليه النشور بمنزلة التذييل .

والقصر المستفاد من تعريف جزأي هو الذي جعل لكم الأرض قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن الأصنام خلقت الأرض ؛ لأن اعتقادهم إلهيتها يقتضي إلزامهم بهذا الظن الفاسد وإن لم يقولوه .

وتقديم المجرور في جملة ( وإليه النشور ) للاهتمام .

ومناسبة ذكر النشور هو ذكر خلق الأرض فإن البعث يكون من الأرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية