الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وتركنا عليه في الآخرين ( 78 ) سلام على نوح في العالمين ( 79 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 80 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 81 ) ثم أغرقنا الآخرين ( 82 ) )

يعني - تعالى ذكره - بقوله ( وتركنا عليه في الآخرين ) وأبقينا عليه ، يعني على نوح ذكرا جميلا وثناء حسنا في الآخرين ، يعني : فيمن تأخر بعده من الناس يذكرونه به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

[ ص: 60 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( وتركنا عليه في الآخرين ) يقول : يذكر بخير .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( وتركنا عليه في الآخرين ) يقول : جعلنا لسان صدق للأنبياء كلهم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتركنا عليه في الآخرين ) قال : أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( وتركنا عليه في الآخرين ) قال : الثناء الحسن .

وقوله ( سلام على نوح في العالمين ) يقول : أمنة من الله لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء ، وسلام مرفوع بعلى . وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول : معناه : وتركنا عليه في الآخرين ، ( سلام على نوح ) أي تركنا عليه هذه الكلمة ، كما تقول : قرأت من القرآن ( الحمد لله رب العالمين ) فتكون الجملة في معنى نصب ، وترفعها باللام ، كذلك سلام على نوح ترفعه بعلى ، وهو في تأويل نصب . قال : ولو كان : تركنا عليه سلاما كان صوابا . وقوله ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) يقول - تعالى ذكره - : إنا كما فعلنا بنوح - مجازاة له على طاعتنا وصبره على أذى قومه في رضانا ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وأبقينا عليه ثناء في الآخرين - ( كذلك نجزي ) الذين يحسنون فيطيعوننا ، وينتهون إلى أمرنا ، ويصبرون على الأذى فينا . وقوله ( إنه من عبادنا المؤمنين ) يقول : إن نوحا من عبادنا الذين آمنوا بنا ، فوحدونا ، وأخلصوا لنا العبادة ، وأفردونا بالألوهة .

وقوله ( ثم أغرقنا الآخرين ) [ ص: 61 ] يقول - تعالى ذكره - : ثم أغرقنا حين نجينا نوحا وأهله من الكرب العظيم من بقي من قومه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ثم أغرقنا الآخرين ) قال : أنجاه الله ومن معه في السفينة ، وأغرق بقية قومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية