الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 510 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ( 28 ) إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ( 29 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وما أنزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم ( من بعده ) يعني : من بعد مهلكه ( من جند من السماء ) .

واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم : عني بذلك أنه لم ينزل الله بعد ذلك إليهم رسالة ، ولا بعث إليهم نبيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( من جند من السماء ) قال : رسالة .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) قال : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) .

وقال آخرون : بل عني بذلك أن الله - تعالى ذكره - لم يبعث لهم جنودا يقاتلهم بها ، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، أن عبد الله بن مسعود قال : غضب الله له ، يعني لهذا المؤمن ، [ ص: 511 ] لاستضعافهم إياه غضبة لم تبق من القوم شيئا ، فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه ، وقال : ( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ) يقول : ما كاثرناهم بالجموع أي الأمر أيسر علينا من ذلك ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) فأهلك الله ذلك الملك وأهل أنطاكية ، فبادوا عن وجه الأرض ، فلم تبق منهم باقية .

وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية ، وذلك أن الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك الرسل ، فيكون وجها ، وإن كان أيضا من المفهوم بظاهر الآية بعيدا ، وذلك أن الرسل من بني آدم لا ينزلون من السماء ، والخبر في ظاهر هذه الآية عن أنه لم ينزل من السماء بعد مهلك هذا المؤمن على قومه جندا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم .

وقوله ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ) يقول : ما كانت هلكتهم إلا صيحة واحدة أنزلها الله من السماء عليهم .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( إن كانت إلا صيحة واحدة ) نصبا على التأويل الذي ذكرت ، وأن في كانت مضمرا وذكر عن أبي جعفر المدني أنه قرأه ( إلا صيحة واحدة ) رفعا على أنها مرفوعة بكان ، ولا مضمر في كان .

والصواب من القراءة في ذلك عندي النصب لإجماع الحجة على ذلك ، وعلى أن في كانت مضمرا .

وقوله ( فإذا هم خامدون ) يقول : فإذا هم هالكون .

التالي السابق


الخدمات العلمية