الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

زيادة تذكير لهم وإبطال لإحالتهم أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا من الله ، وتذكير لهم على طرح الحسد على نعم الله تعالى أي كما أعطى الله الرسالة موسى كذلك أعطاها محمدا ، وهذا كقوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة .

وتأكيد الكلام بـ إن لتنزيلهم منزلة من ينكر أن الفضل بيد الله ومن يحسب أن الفضل تبع لشهواتهم . وجملة والله واسع عليم عطف على جملة إن الفضل بيد الله وهو لا يخفى عليه من هو أهل لنوال فضله .

و " واسع " اسم فاعل الموصوف بالسعة .

وحقيقة السعة امتداد فضاء الحيز من مكان أو ظرف امتدادا يكفي لإيواء ما يحويه ذلك الحيز بدون تزاحم ولا تداخل بين أجزاء المحوي ، يقال أرض واسعة وإناء [ ص: 284 ] واسع وثوب واسع ، ويطلق الاتساع وما يشتق منه على وفاء شيء بالعمل الذي يعمله نوعه دون مشقة . يقال : فلان واسع البال ، وواسع الصدر ، وواسع العطاء . وواسع الخلق ، فتدل على شدة أو كثرة ما يسند إليه أو يوصف به أو يتعلق به من أشياء ومعان ، وشاع ذلك حتى صار معنى ثانيا .

و " واسع " من صفات الله وأسمائه الحسنى وهو بالمعنى المجازي لا محالة لاستحالة المعنى الحقيقي في شأنه تعالى ، ومعنى هذا الاسم عدم تناهي التعلقات لصفاته ذات التعلق فهو واسع العلم ، واسع الرحمة ، واسع العطاء ، فسعة صفاته تعالى أنها لا حد لتعلقاتها ، فهو أحق الموجودات بوصف واسع ، لأنه الواسع المطلق .

وإسناد وصف واسع إلى اسمه تعالى إسناد مجازي أيضا لأنه الواسع صفاته ولذلك يؤتى بعد هذا الوصف أو ما في معناه من فعل السعة بما يميز جهة السعة من تمييز نحو : وسع كل شيء علما ، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما . فوصفه في هذه الآية بأنه واسع ، هو سعة الفضل لأنه وقع تذييلا لقوله : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

وأحسب أن وصف الله بصفة " واسع " في العربية من مبتكرات القرآن .

وقوله " عليم " صفة ثانية لقوة علمه أي كثرة متعلقات صفة علمه تعالى .

ووصفه بأنه عليم هنا لإفادة أنه عليم بمن يستأهل أن يؤتيه فضله ويدل على علمه بذلك ما يظهر من آثار إرادته وقدرته الجارية على وفق علمه متى ظهر للناس ما أودعه الله من فضائل في بعض خلقه ، قال تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالته .

وجملة يختص برحمته من يشاء بدل بعض من كل لجملة إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فإن رحمته بعض مما هو فضله .

وجملة والله ذو الفضل العظيم تذييل وتقدم تفسير نظيره عند قوله تعالى : والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم في سورة البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية