الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين .

جملة إن هذا لهو القصص الحق وما عطف عليها بالواو اعتراض لبيان ما اقتضاه قوله " الكاذبين " لأنهم نفوا أن يكون عيسى عبدا لله ، وزعموا أنه غلب ، فإثبات أنه عبد هو الحق .

واسم الإشارة راجع إلى ما ذكر من نفي الإلهية عن عيسى .

[ ص: 267 ] والضمير في قوله لهو القصص ضمير فصل ، ودخلت عليه لام الابتداء لزيادة التقوية التي أفادها ضمير الفصل ; لأن اللام وحدها مفيدة تقوية الخبر ، وضمير الفصل يفيد القصر ، أي هذا القصص لا ما تقصه كتب النصارى وعقائدهم .

و القصص بفتح القاف والصاد اسم لما يقص ، يقال : قص الخبر قصا : إذا أخبر به ، والقص أخص من الإخبار ; فإن القص إخبار بخبر فيه طول وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يخبر بها - قصة بكسر القاف أي مقصوصة أي مما يقصها القصاص ، ويقال للذي ينتصب لتحديث الناس بأخبار الماضين قصاص بفتح القاف . فالقصص اسم لما يقص ، قال تعالى : نحن نقص عليك أحسن القصص وقيل : هو اسم مصدر وليس هو مصدرا ، ومن جرى على لسانه من أهل اللغة أنه مصدر فذلك تسامح من تسامح الأقدمين ، فالقص بالإدغام مصدر ، والقصص بالفك اسم للمصدر واسم للخبر المقصوص .

وقوله : وما من إله إلا الله تأكيد لحقية هذا القصص . ودخلت " من " الزائدة بعد حرف النفي تنصيصا على قصد نفي الجنس لتدل الجملة على التوحيد ونفي الشريك بالصراحة ودلالة المطابقة ، وأن ليس المراد نفي الوحدة عن غير الله ، فيوهم أنه قد يكون إلاهان أو أكثر في شق آخر ، وإن كان هذا يئول إلى نفي الشريك لكن بدلالة الالتزام .

وقوله : وإن الله لهو العزيز الحكيم - فيه ما في قوله : إن هذا لهو القصص الحق فأفاد تقوية الخبر عن الله تعالى بالعزة والحكم ، والمقصود إبطال إلهية المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من النصارى ، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذلة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية ، فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه ، وهو أيضا إبطال لإلهيته على اعتقادنا ; لأنه كان محتاجا لإنقاذه من أيدي الظالمين .

وجملة فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين عطف على قوله فقل تعالوا ، وهذا تسجيل عليهم إذ نكصوا عن المباهلة ، وقد علم بذلك أنهم قصدوا المكابرة ولم يتطلبوا الحق ، روي أنهم لما أبوا المباهلة ، قال لهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - فإن أبيتم فأسلموا . فأبوا ، فقال : فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد ، فأبوا ، فقال لهم : فإني أنبذ إليكم على سواء [ ص: 268 ] أي أترك لكم العهد الذي بيننا ، فقالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ، ولكنا نصالحك على ألا تغزونا ولا تخيفنا ، ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة حمراء ألفا في صفر وألفا في رجب وثلاثين درعا عادية من حديد ، وطلبوا منه أن يبعث معهم رجلا أمينا يحكم بينهم ، فقال : لأبعثن معكم أمينا حق أمين ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - ، ولم أقف على ما دعاهم إلى طلب أمين ولا على مقدار المدة التي مكث فيها أبو عبيدة بينهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية