الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون .

لما ذكر فضل المتصدقين وكان من المؤمنين من لا مال له ليتصدق منه أعقب ذكر المتصدقين ببيان فضل المؤمنين مطلقا ، وهو شامل لمن يستطيع أن يتصدق ومن لا يستطيع على نحو التذكير المتقدم آنفا في قوله وكلا وعد الله الحسنى .

وفي الحديث إن قوما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ولا أموال لنا ، فقال : أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ، إن لكم في كل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة .

[ ص: 397 ] و " الذين آمنوا " يعم كل من ثبت له مضمون هذه الصلة وما عطف عليها .

وفي جمع " ورسله " ، تعريض بأهل الكتاب الذين قالوا : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، فاليهود آمنوا بالله وبموسى ، وكفروا بعيسى وبمحمد عليهما الصلاة والسلام ، والنصارى آمنوا بالله وكفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون آمنوا برسل الله كلهم ، ولذلك وصفوا بأنهم الصديقون .

والصديق بتشديد الدال مبالغة في المصدق مثل المسيك للشحيح ، أي : كثير الإمساك لماله ، والأكثر أن يشتق هذا الوزن من الثلاثي مثل : الضليل ، وقد يشتق من المزيد ، وذلك . أن الصيغ القليلة الاستعمال يتوسعون فيها كما توسع في السميع بمعنى المسمع في بيت عمرو بن معدي كرب ، والحكيم بمعنى المحكم في أسماء الله تعالى ، وإنما وصفوا بأنهم صديقون لأنهم صدقوا جميع الرسل الحق ولم تمنعهم عن ذلك عصبية ولا عناد ، وقد تقدم في سورة يوسف وصفه بالصديق ووصفت مريم بالصديقة في سورة العقود .

وضمير الفصل للقصر وهو قصر إضافي ، أي : هم الصديقون لا الذين كذبوا بعض الرسل وهذا إبطال لأن يكون أهل الكتاب صديقين لأن تصديقهم رسولهم لا جدوى له إذ لم يصدقوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

واسم الإشارة للتنويه بشأنهم وللتنبيه على أن المشار إليهم استحقوا ما يرد بعد اسم الإشارة من أجل الصفات التي قبل اسم الإشارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية