الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من رأى التحول

                                                                      2301 حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا موسى بن مسعود حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال قال عطاء قال ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى غير إخراج قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت

                                                                      التالي السابق


                                                                      للمتوفى عنها زوجها إلى مكان آخر . وبوب النسائي بقوله باب الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت .

                                                                      ( نسخت هذه الآية ) : الأولى وهي قوله تعالى [ ص: 327 ] والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ( عدتها ) : أي المرأة المتوفى عنها زوجها ( عند أهلها ) : المذكورة في الآية الثانية وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ( فتعتد حيث شاءت ) : لأن السكنى تبع للعدة ، فلما نسخ الحول بأربعة الأشهر والعشر نسخت السكنى أيضا ( وهو ) : أي المنسوخ حكمه ( قول الله عز وجل غير إخراج ) : فهذه الآية الثانية التي فيها غير إخراج منسوخ بالآية الأولى ( قال عطاء ) : أيضا ( إن شاءت ) : المتوفى عنها زوجها ( اعتدت عند أهله ) : أي أهل زوجها ، ولفظ البخاري عند أهلها ( وسكنت في وصيتها ) : أي المشار إليه بقوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ( وإن شاءت خرجت ) : من بيت زوجها ( ثم جاء [ ص: 328 ] الميراث ) : في قوله تعالى : ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن ( فنسخ السكنى ) : كما نسخت آية الخروج وهي فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن وجوب الاعتداد عند أهل الزوج ( تعتد حيث شاءت ) : وزاد البخاري : ولا سكنى لها .

                                                                      قال العيني : وهو قول أبي حنيفة : إن المتوفى عنها زوجها لا سكنى لها وهو أحد قولي الشافعي كالنفقة وأظهرهما الوجوب ومذهب مالك أن لها السكنى إذا كانت الدار ملكا للميت انتهى .

                                                                      وفي صحيح البخاري حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا روح حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا قال : كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف .

                                                                      قال : جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، وهو قول الله غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فالعدة كما هي واجب عليها . زعم ذلك عن مجاهد . وقال عطاء : قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت . وقول الله غير إخراج قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها .

                                                                      قال الحافظ ابن حجر : قال ابن بطال : ذهب مجاهد إلى أن الآية وهي قوله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا نزلت قبل الآية التي فيها وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ، كما هي قبلها في التلاوة ، وكان الحامل له على ذلك استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ ، فرأى أن استعمالهما ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا ، ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول إن أقامت عندهم . قال : وهو قول لم يقله أحد من المفسرين غيره [ ص: 329 ] ولا تابعه عليها من الفقهاء أحد بل أطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكنى تبع للعدة فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر وعشر نسخت السكنى أيضا .

                                                                      وقال ابن عبد البر : لم يختلف العلماء أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر ، وإنما اختلفوا في قوله : غير إخراج فالجمهور على أنه نسخ أيضا .

                                                                      وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكر حديث الباب قال ولم يتابع على ذلك ولا قال أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين به في مدة العدة ، بل روى ابن جريج عن مجاهد في قدرها مثل ما عليه الناس فارتفع الخلاف ، واختص ما نقل عن مجاهد وغيره بمدة السكنى على أنه أيضا شاذ لا يعول عليه . والله أعلم .

                                                                      قال العيني : وحاصل كلام مجاهد أنه جعل على المعتدة تربص أربعة أشهر وعشرا ، وأوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول .

                                                                      وقال العيني أيضا : قال مجاهد : إن العدة الواجبة : " أربعة أشهر وعشرا وتمام السنة باختيارها بحساب الوصية ، فإن شاءت قبلت الوصية وتعتد إلى الحول ، وإن شاءت اكتفت بالواجب . ويقال : يحتمل أن يكون معناه العدة إلى تمام السنة واجبة ، وأما السكنى عند زوجها ففي الأربعة الأشهر والعشر واجبة ، وفي التمام باختيارها ، ولفظه : فالعدة كما هي واجب عليها . يؤيد هذا الاحتمال ، وحاصله أنه لا يقوم بالنسخ والله أعلم .

                                                                      وفي جامع البيان في تفسير قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج يعني وحق المتوفى أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا ، وينفق عليهن من تركته غير مخرجات من مساكنهن ، وهذا في ابتداء الإسلام ثم نسخت المدة بقوله أربعة أشهر وعشرا والنفقة بالإرث . هذا ما عليه أكثر السلف ، فكانت الآية متأخرة في التلاوة متقدمة في النزول والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية