الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكل أمر مستقر .

هذا تذييل للكلام السابق من قوله وإن يروا آية يعرضوا إلى قوله أهواءهم ، فهو اعتراض بين جملة وكذبوا وجملة ولقد جاءهم من الأنباء ، والواو اعتراضية ، وهو جار مجرى المثل .

وكل من أسماء العموم . وأمر : اسم يدل على جنس عال ومثله شيء وموجود وكائن ، ويتخصص بالوصف كقوله تعالى إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، وقد يتخصص بالعقل أو العادة كما تخصص شيء في قوله تعالى عن ريح عاد : تدمر كل شيء أي من الأشياء القابلة للتدمير . وهو هنا يعم الأمور ذوات التأثير ، أي تتحقق آثار مواهيها وتظهر خصائصها ولو اعترضتها عوارض تعطل حصول آثارها حينا كعوارض مانعة من ظهور خصائصها ، أو مدافعات يراد منها إزالة نتائجها ، فإن المؤثرات لا تلبث أن تتغلب على تلك الموانع والمدافعات في فرص تمكنها من ظهور الآثار والخصائص .

والكلام تمثيل شبهت حالة تردد آثار الماهية بين ظهور وخفاء إلى إبان التمكن من ظهور آثارها ، بحالة سير السائر إلى المكان المطلوب في مختلف الطرق بين بعد وقرب إلى أن يستقر في المكان المطلوب . وهي تمثيلية مكنية ، لأن التركيب الذي يدل على الحالة المشبه بها حذف ورمز إليه بذكر شيء من روادف معناه وهو وصف مستقر .

ومن هذا المعنى قوله تعالى لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون وقد أخذه الكميت بن زيد في قوله :

فالآن صرت إلى أمي ة والأمور إلى مصائر

[ ص: 174 ] فالمراد بالاستقرار الذي في قوله " مستقر " الاستقرار في الدنيا .

وفي هذا تعريض بالإيماء إيماء إلى أن أمر دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - سيرسخ ويستقر بعد تقلقله .

ومستقر : بكسر القاف اسم فاعل من استقر ، أي قر ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب .

وقرأ الجمهور برفع الراء من مستقر . وقرأه أبو جعفر بخفض الراء على جعل " كل أمر " عطفا على الساعة . والتقدير : واقترب كل أمر . وجعل " مستقر " صفة أمر .

والمعنى : أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ، ولا يعوق إنتاجها . فأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه ، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأتباع .

وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وتهديدا للمشركين واستدعاء لنظر المترددين .

التالي السابق


الخدمات العلمية