الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الظهار

                                                                      2213 حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى قالا حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحق عن محمد بن عمرو بن عطاء قال ابن العلاء ابن علقمة بن عياش عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال ابن العلاء البياضي قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أنت بذاك يا سلمة قلت أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله فاحكم في ما أراك الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم زاد ابن العلاء قال ابن إدريس بياضة بطن من بني زريق [ ص: 240 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 240 ] بكسر المعجمة هو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي . قال الحافظ : واختلف فيما إذا لم يعين الأم كأن قال كظهر أختي مثلا ، فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل يختص بالأم كما ورد في القرآن ، وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها أوس ، وقال في الجديد يكون ظهارا وهو قول الجمهور انتهى .

                                                                      ( قال ابن العلاء بن علقمة بن عياش ) : أي قال محمد بن العلاء في روايته عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عياش بزيادة ابن علقمة بن عياش ( قال ابن العلاء البياضي ) : أي قال في روايته عن سلمة بن صخر البياضي ( قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ) : كناية عن كثرة شهوته ووفور قوته ( يتايع بي ) : أي يلازمني ملازمة الشر ، [ ص: 241 ] وفي نسخة يتتايع ، والتتايع الوقوع في الشر من غير فكرة وروية والمتابعة عليه ( حتى ينسلخ شهر رمضان ) : فيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار كالمطلق منه ، وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة ، واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث ، فقال مالك وابن أبي ليلى : إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها .

                                                                      وقال أكثر أهل العلم : لا شيء عليه إذا لم يقربها . وجعل الشافعي في الظهار المؤقت قولين أحدهما أنه ليس بظهار قاله الخطابي في المعالم ( فلم ألبث ) : أي لم أتأخر . واللبث في الفارسية درنك كردن ( أن نزوت ) : أي وقعت ( أنت بذاك يا سلمة ) : أي أنت الملم بذلك أو أنت المرتكب له . كذا في المعالم ( قال حرر رقبة ) : قال الخطابي : فيه دليل على أنه إذا أعتق رقبة ما كانت من صغير أو كبير أعور كان أو أعرج فإنه يجزيه إلا ما يمنع دليل الإجماع منه وهو الزمن الذي لا حراك به انتهى ( ما أملك رقبة غيرها ) : أي غير رقبتي هذه ( وضربت [ ص: 242 ] صفحة رقبتي ) : زاد أحمد بيدي . قال في القاموس : الصفح الجانب ومنك جنبك ومن الوجه والسيف عرضه ( وسقا من تمر ) : الوسق ستون صاعا ( بين ستين مسكينا ) : ظاهره أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ولا يجزئ إطعام دونهم ، وإليه ذهب الشافعي ومالك . وقال أبو حنيفة : إنه يجزئ إطعام واحد ستين يوما ( لقد بتنا وحشين ) : قال في النهاية : يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعا لا طعام له وقد أوحش إذا جاع ( بني زريق ) : بتقديم الزاي على الراء ( فليدفعها ) : أي التمر ( فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر ) : أخذ بظاهره الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر . وقال الشافعي : إن الواجب لكل مسكين مد وتمسك بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعا .

                                                                      وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد في روايته عنه ، وذهب قوم إلى السقوط ، وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات كذا في النيل ( وكل أنت وعيالك بقيتها ) : أي بقية الصدقة التي بقيت بعد إطعام ستين مسكينا ( وبياضة بطن من بني زريق ) : وهو بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن زيد مناة من ولد جشم بن الخزرج كذا في تاج العروس .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وقال محمد يعني البخاري : سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر . وقال البخاري أيضا : هو مرسل [ ص: 243 ] سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر هذا آخر كلامه . وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه .




                                                                      الخدمات العلمية