الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 29 ] إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .

تعليل لجملتي ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون .

والرزاق هنا بمعنى ما يعم المال والإطعام .

والرزاق : الكثير الإرزاق ، والقوة : القدرة .

وذو القوة : صاحب القدرة . ومن خصائص ذو أن تضاف إلى أمر مهم ، فعلم أن القوة هنا قوة خلية من النقائص .

والمتين : الشديد ، وهو هنا وصف لذي القوة ، أي : الشديد القوة ، وقد عد ( المتين ) في أسمائه تعالى . قال الغزالي : وذلك يرجع إلى معاني القدرة . وفي معارج النور شرح الأسماء " المتين : كمال في قوته بحيث لا يعارض ولا يدانى " .

فالمعنى : أنه المستغني غنى مطلقا فلا يحتاج إلى شيء فلا يكون خلقه الخلق لتحصيل نفع له ولكن لعمران الكون وإجراء نظام العمران باتباع الشريعة التي يجمعها معنى العبادة في قوله " إلا ليعبدون " .

وإظهار اسم الجلالة في " إن الله هو الرزاق " إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر ؛ لأن مقتضاه : إني أنا الرزاق ، فعدل عن الإضمار إلى الاسم الظاهر لتكون هذه الجملة مستقلة بالدلالة ، لأنها سيرت مسير الكلام الجامع والأمثال : وحذفت ياء المتكلم من ( يعبدون ) و ( يطعمون ) للتخفيف ، ونظائره كثيرة في القرآن .

وفي قوله " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " طريق قصر لوجود ضمير الفصل ، أي : لا رزاق ، ولا ذا قوة ، ولا متين إلا الله ، وهو قصر إضافي ، أي : دون الأصنام التي يعبدونها .

فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها : الإرزاق ، والقوة ، والشدة ، [ ص: 30 ] فأبطل ذلك بهذا القصر ، قال تعالى إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ، وقال إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية