الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين ( 13 ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( 14 ) )

يقول تعالى ذكره : فلما جاءت فرعون آياتنا ، يعني : أدلتنا وحججنا ، على حقيقة ما دعاهم إليه موسى وصحته ، وهي الآيات التسع التي ذكرناها قبل . وقوله ( مبصرة ) يقول : يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقة ما دلت عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 436 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : ( فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ) قال : بينة ( قالوا هذا سحر مبين ) ، يقول : قال فرعون وقومه : هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبين ، يقول : يبين للناظرين له أنه سحر .

وقوله : ( وجحدوا بها ) يقول : وكذبوا بالآيات التسع أن تكون من عند الله .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وجحدوا بها ) قال : الجحود : التكذيب بها . وقوله : ( واستيقنتها أنفسهم ) يقول : وأيقنتها قلوبهم ، وعلموا يقينا أنها من عند الله ، فعاندوا بعد تبينهم الحق ، ومعرفتهم به .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : ( واستيقنتها أنفسهم ) قال : يقينهم في قلوبهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : ( واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) قال : استيقنوا أن الآيات من الله حق ، فلم جحدوا بها ؟ قال : ظلما وعلوا .

وقوله : ( ظلما وعلوا ) يعني بالظلم : الاعتداء ، والعلو : الكبر ، كأنه قيل : اعتداء وتكبرا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : ( ظلما وعلوا ) قال : تعظما واستكبارا ، ومعنى ذلك : وجحدوا بالآيات التسع ظلما وعلوا ، واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، فعاندوا الحق بعد وضوحه لهم ، فهو من المؤخر الذي معناه التقديم .

وقوله : ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) .

ويقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فانظر يا محمد بعين قلبك [ ص: 437 ] كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة ، وماذا حل بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربهم ، وأعقبهم ما فعلوا ، فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ، إلى هلاك في العاجل بالغرق ، وفي الآجل إلى عذاب دائم لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . يقول : وكذلك يا محمد سنتي في الذين كذبوا بما جئتهم به من الآيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحق من قومك .

التالي السابق


الخدمات العلمية