الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد

استئناف ابتدائي ناشئ عن قوله : بل كذبوا بالحق لما جاءهم فعقب بأنهم ليسوا ببدع في الضلال فقد كذبت قبلهم أمم . وذكر منهم أشهرهم في العالم وأشهرهم بين العرب ، فقوم نوح أول قوم كذبوا رسولهم ، وفرعون كذب موسى ، وقوم لوط كذبوه وهؤلاء معروفون عند أهل الكتاب ، وأما أصحاب الرس وعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع فهم من العرب .

وذكروا هنا عقب قوم نوح للجامع الخيالي بين القومين وهو جامع التضاد لأن عذابهم كان ضد عذاب قوم نوح إذ كان عذابهم بالخسف وعذاب قوم نوح بالغرق ، ثم ذكر ثمود لشبه عذابهم بعذاب أصحاب الرس إذ كان عذابهم برجفة الأرض وصواعق السماء ، ولأن أصحاب الرس من بقايا ثمود ، ثم ذكرت عاد لأن عذابها كان بحادث في الجو وهو الريح ، ثم ذكر فرعون وقومه لأنهم كذبوا أشهر الرسل قبل الإسلام ، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب وهم من خلطاء بني إسرائيل .

وعبر عن قوم لوط بـ " إخوان لوط " ولم يكونوا من قبيله ، فالمراد بـ " إخوان " أنهم ملازمون . وهم أهل سدوم وعمورة وقراهما وكان لوط ساكنا في سدوم ولم يكن من أهل نسبهم لأن أهل سدوم كنعانيون ولوطا عبراني . وقد تقدم قوله تعالى : إذ قال لهم أخوهم لوط في سورة الشعراء . وذكر قوم تبع وهم أهل اليمن ولم يكن العرب يعدونهم عربا .

[ ص: 296 ] وهذه الأمم أصابها عذاب شديد في الدنيا عقابا على تكذيبهم الرسل . والمقصود تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتعريض بالتهديد لقومه المكذبين أن يحل بهم ما حل بأولئك .

والرس : يطلق اسما للبئر غير المطوية ويطلق مصدرا للدفن والدس . واختلف المفسرون في المراد به هنا .

وأصحاب الرس قوم عرفوا بالإضافة إلى الرس ، فيحتمل أن إضافتهم إلى الرس من إضافة الشيء إلى موطنه مثل " أصحاب الأيكة " ، و " أصحاب الحجر " و " أصحاب القرية " .

ويجوز أن تكون إضافة إلى حدث حل بهم مثل " أصحاب الأخدود " . وفي تعيين أصحاب الرس أقوال ثمانية أو تسعة وبعضها متداخل .

وتقدم الكلام عليهم في سورة الفرقان . والأظهر أن إضافة " أصحاب " إلى الرس من إضافة اسم إلى حدث حدث فيه فقد قيل : إن أصحاب الرس عوقبوا بخسف في الأرض فوقعوا في مثل البئر . وقيل : هو بئر ألقى أصحابه فيه حنظلة بن صفوان رسول رسول الله إليهم حيا فهو إذن علم بالغلبة وقيل هو ( فلج ) من أرض اليمامة .

وتقدم الكلام على أصحاب الرس في سورة الفرقان عند قوله تعالى : وعادا وثمود وأصحاب الرس .

وأصحاب الأيكة هم من قوم شعيب وتقدم في سورة الشعراء .

وقوم تبع هم حمير من عرب اليمن وتقدم ذكرهم في سورة الدخان .

وجملة " كل كذب الرسل " مؤكدة لجملة " كذبت قبلهم قوم نوح " إلى آخرها ، فلذلك فصلت ولم تعطف ، وليبني عليه قوله : " فحق وعيد " فيكون تهديدا بأن يحق عليهم الوعيد كما حق على أولئك مرتبا بالفاء على تكذيبهم الرسل فيكون في ذلك تشريف للنبيء صلى الله عليه وسلم وللرسل السابقين .

[ ص: 297 ] وتنوين ( كل ) تنوين عوض عن المضاف إليه ، أي كل أولئك .

و " حق " صدق وتحقق .

والوعيد : الإنذار بالعقوبة واقتضى الإخبار عنه بـ " حق " أن الله توعدهم به فلم يعبئوا وكذبوا وقوعه فحق وصدق .

وحذفت ياء المتكلم التي أضيف إليها " وعيد " للرعي على الفاصلة وهو كثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية