الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 284 ] بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج

إضراب ثان تابع للإضراب الذي في قوله : بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم على طريقة تكرير الجملة في مقام التنديد والإبطال ، أو بدل من جملة بل عجبوا أن جاءهم منذر لأن ذلك العجب مشتمل على التكذيب ، وكلا الاعتبارين يقتضيان فصل هذه الجملة بدون عاطف .

والمقصد من هذه الجملة : أنهم أتوا بأفظع من إحالتهم البعث وذلك هو التكذيب بالحق .

والمراد بالحق هنا القرآن لأن فعل التكذيب إذا عدي بالباء عدي إلى الخبر وإذا عدي بنفسه كان لتكذيب المخبر .

و ( لما ) حرف توقيت فهي دالة على ربط حصول جوابها بوقت حصول شرطها فهي مؤذنة بمبادرة حصول الجواب عند حصول الشرط كقوله تعالى : فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ، وقوله : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وقد مضيا في سورة البقرة . ومعنى " جاءهم " بلغهم وأعلموا به .

والمعنى : أنهم بادروا بالتكذيب دون تأمل ولا نظر فيما حواه من الحق بل كذبوا به من أول وهلة فكذبوا بتوحيد الله ، وهو أول حق جاء به القرآن ، ولذلك عقب بقوله أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها إلى قوله : وأحيينا به بلدة ميتا .

فالتكذيب بما جاء به القرآن يعم التكذيب بالبعث وغيره .

وفرع على الخبر المنتقل إليه بالإضراب وصف حالهم الناشئة عن المبادرة بالتكذيب قبل التأمل بأنها " أمر مريج " أحاط بهم وتجلجلوا فيه كما دل عليه حرف الظرفية .

و " أمر " اسم مبهم مثل شيء ، ولما وقع هنا بعد حرف ( في ) المستعمل في الظرفية المجازية تعين أن يكون المراد بالأمر الحال المتلبسون هم به تلبس المظروف بظرفه وهو تلبس المحوط بما أحاط به فاستعمال ( في ) استعارة تبعية .

[ ص: 285 ] والمريج : المضطرب المختلط ، أي لا قرار في أنفسهم في هذا التكذيب ، اضطربت فيه أحوالهم كلها من أقوالهم في وصف القرآن فإنهم ابتدروا فنفوا عنه الصدق فلم يتبينوا بأي أنواع الكلام الباطل يلحقونه فقالوا : " سحر مبين " وقالوا : " أساطير الأولين " وقالوا : " قول شاعر " ، وقالوا : " قول كاهن " وقالوا : هذيان مجنون . وفي سلوكهم في طرق مقاومة دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم وما يصفونه به إذا سألهم الواردون من قبائل العرب . ومن بهتهم في إعجاز القرآن ودلالة غيره من المعجزات وما دمغهم به من الحجج على إبطال الإشراك وإثبات الوحدانية لله . وهذا تحميق لهم بأنهم طاشت عقولهم فلم يتقنوا التكذيب ولم يرسوا على وصف الكلام الذي كذبوا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية