الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ( 128 ) وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ( 129 ) وإذا بطشتم بطشتم جبارين ( 130 ) )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) والريع : كل مكان مشرف من الأرض مرتفع ، أو طريق أو واد ; ومنه قول ذي الرمة :


طراق الخوافي مشرف فوق ريعة ندى ليله في ريشه يترقرق



وقول الأعشى :


ويهماء قفر تجاوزتها     إذا خب في ريعها آلها

[ ص: 374 ]

وفيه لغتان : ريع وريع بكسر الراء وفتحها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) يقول : بكل شرف .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بكل ريع ) قال : فج .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( أتبنون بكل ريع آية ) قال : بكل طريق .

حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني ، قال : ثنا أبو قتيبة ، قال : ثنا مسلم بن خالد ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( أتبنون بكل ريع ) قال : الريع : الثنية الصغيرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عكرمة : ( بكل ريع ) قال : فج وواد ، قال : وقال مجاهد ( بكل ريع ) بين جبلين .

قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( أتبنون بكل ريع ) قال : شرف ومنظر .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( بكل ريع ) قال : بكل طريق .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( بكل ريع ) بكل طريق . ويعني بقوله ( آية ) بنيانا ، علما .

وقد بينا في غير موضع من كتابنا هذا ، أن الآية هي الدلالة والعلامة بالشواهد المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم [ ص: 375 ] في تأويله .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( بكل ريع آية ) قال : الآية : علم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بكل ريع آية ) قال : آية : بنيان .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( آية ) : بنيان .

حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : ( بكل ريع آية ) قال : بنيان الحمام .

وقوله : ( تعبثون ) قال : تلعبون .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( تعبثون ) قال : تلعبون .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : ( تعبثون ) قال : تلعبون .

وقوله : ( وتتخذون مصانع ) اختلف أهل التأويل في معنى المصانع ، فقال بعضهم : هي قصور مشيدة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وتتخذون مصانع ) قال : قصور مشيدة ، وبنيان مخلد .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( مصانع ) : قصور مشيدة وبنيان . [ ص: 376 ]

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن مجاهد ، قال : ( مصانع ) يقول : حصون وقصور .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم ، عن رجل ، عن مجاهد ، قوله : ( مصانع لعلكم تخلدون ) قال : أبرجة الحمام .

وقال آخرون : بل هي مآخذ للماء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( مصانع ) قال : مآخذ للماء .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن المصانع جمع مصنعة ، والعرب تسمي كل بناء مصنعة ، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورا وحصونا مشيدة ، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء ، ولا خبر يقطع العذر بأي ذلك كان ، ولا هو مما يدرك من جهة العقل . فالصواب أن يقال فيه ، ما قال الله : إنهم كانوا يتخذون مصانع .

وقوله : ( لعلكم تخلدون ) يقول : كأنكم تخلدون ، فتبقون في الأرض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( لعلكم تخلدون ) يقول : كأنكم تخلدون .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : قال في بعض الحروف ( وتتخذون مصانع ) كأنكم تخلدون .

وكان ابن زيد يقول : " لعلكم " في هذا الموضع استفهام .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) قال : هذا استفهام ، يقول : لعلكم تخلدون حين تبنون هذه الأشياء ؟ .

وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى " كيما " . [ ص: 377 ]

وقوله : ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) يقول : وإذا سطوتم سطوتم قتلا بالسيوف ، وضربا بالسياط .

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) قال : القتل بالسيف والسياط .

التالي السابق


الخدمات العلمية