الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم

هذه الجملة بدل اشتمال من مضمون جملة وينصرك الله نصرا عزيزا . وحصل منها الانتقال إلى ذكر حظ المسلمين من هذا الفتح فإن المؤمنين هم جنود الله الذين قد نصر النبيء - صلى الله عليه وسلم - بهم كما قال - تعالى - هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين فكان في ذكر عناية الله بإصلاح نفوسهم وإذهاب خواطر الشيطان عنهم وإلهامهم إلى الحق في ثبات عزمهم ، وقرارة إيمانهم تكوين لأسباب نصر النبيء - صلى الله عليه وسلم - والفتح الموعود به ليندفعوا حين يستنفرهم إلى العدو بقلوب ثابتة ، ألا ترى أن المؤمنين تبلبلت نفوسهم من صلح الحديبية إذ انصرفوا عقبه عن دخول مكة بعد أن جاءوا للعمرة بعدد عديد حسبوه لا يغلب ، وأنهم إن أرادهم العدو بسوء أو صدهم عن قصدهم قابلوه فانتصروا عليه وأنهم يدخلون مكة قسرا . وقد تكلموا في تسمية ما حل بهم يومئذ فتحا كما علمت مما تقدم فلما بين لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما فيه من الخير اطمأنت نفوسهم بعد الاضطراب ورسخ يقينهم بعد خواطر الشك فلولا ذلك الاطمئنان والرسوخ لبقوا كاسفي البال شديدي البلبال ، فذلك الاطمئنان هو الذي سماه الله بالسكينة ، وسمي إحداثه في نفوسهم إنزالا للسكينة في قلوبهم فكان النصر مشتملا على أشياء من أهمها إنزال السكينة ، وكان إنزال السكينة بالنسبة إلى هذا النصر نظير التأليف بين قلوب المؤمنين مع اختلاف قبائلهم وما كان بينهما من الأمن في الجاهلية بالنسبة للنصر الذي في قوله - تعالى - هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم .

وإنزالها : إيقاعها في العقل والنفس وخلق أسبابها الجوهرية والعارضة ، وأطلق على ذلك الإيقاع فعل الإنزال تشريفا لذلك الوجدان بأنه كالشيء الذي هو مكان مرتفع فوق الناس فألقي إلى قلوب الناس ، وتلك رفعة تخييلية مراد بها شرف ما [ ص: 150 ] أثبتت له على طريقة التخييلية . ولما كان من عواقب تلك السكينة أنها كانت سببا لزوال ما يلقيه الشيطان في نفوسهم من التأويل لوعد الله إياهم بالنصر على غير ظاهره ، وحمله على النصر المعنوي لاستبعادهم أن يكون ذلك فتحا ، فلما أنزل الله عليهم السكينة اطمأنت نفوسهم ، فزال ما خامرها وأيقنوا أنه وعد الله وأنه واقع فانقشع عنهم ما يوشك أن يشكك بعضهم فيلتحق بالمنافقين الظانين بالله ظن السوء ، فإن زيادة الأدلة تؤثر رسوخ المستدل عليه في العقل وقوة التصديق .

وهذا اصطلاح شائع في القرآن وجعل ذلك الازدياد كالعلة لإنزال السكينة في قلوبهم لأن الله علم أن السكينة إذا حصلت في قلوبهم رسخ إيمانهم ، فعومل المعلوم حصوله من الفعل معاملة العلة وأدخل عليه حرف التعليل وهو لام كي وجعلت قوة الإيمان بمنزلة إيمان آخر دخل على الإيمان الأسبق لأن الواحد من أفراد الجنس إذا انضم إلى أفراد أخر زادها قوة فلذلك علق بالإيمان ظرف ( مع ) في قوله مع إيمانهم فكان في ذلك الحادث خير عظيم لهم كما كان فيه خير للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن كان سببا لتشريفه بالمغفرة العامة ولإتمام النعمة عليه ولهدايته صراطا مستقيما ولنصره نصرا عزيزا ، فأعظم به حدثا أعقب هذا الخير للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية