الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها

تفريع على ما مضى من وصف أحوال الكافرين من قوله أفلم يسيروا في الأرض إلى قوله واتبعوا أهواءهم الشاملة لأحوال الفريقين ففرع عليها أن كلا الفريقين ينتظرون حلول الساعة لينالوا جزاءهم على سوء كفرهم فضمير " ينظرون " مراد به الكافرون لأن الكلام تهديد ووعيد ، ولأن المؤمنين ينتظرون أمورا أخر مثل النصر والشهادة ، قال - تعالى - قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين الآية . والنظر هنا بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك الآية .

والاستفهام إنكار مشوب بتهكم ، وهو إنكار وتهكم على غائبين ، موجه إلى [ ص: 103 ] الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أي لا تحسب تأخير مؤاخذتهم إفلاتا من العقاب ، فإنهم مرجون إلى الساعة .

وهذا الاستفهام الإنكاري ناظر إلى قوله آنفا والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم .

والقصر الذي أفاده الاستثناء قصر ادعائي ، نزل انتظارهم ما يأملونه من المرغوبات في الدنيا منزلة العدم لضآلة أمره بعد أن نزلوا منزلة من ينتظرون فيما ينتظرون الساعة لأنهم لتحقق حلوله عليهم جديرون بأن يكونوا من منتظريها .

و أن تأتيهم بدل اشتمال من الساعة .

و " بغتة " حال من الساعة قال - تعالى - لا تأتيكم إلا بغتة . والبغتة : الفجأة ، وهو مصدر بمعنى المرة ، والمراد به هنا الوصف ، أي مباغتة لهم .

ومعنى الكلام : أن الساعة موعدهم وأن الساعة قريبة منهم ، فحالهم كحال من ينتظر شيئا فإنما يكون الانتظار إذا اقترب موعد الشيء ، هذه الاستعارة تهكمية .

والفاء من قوله فقد جاء أشراطها فاء الفصيحة كالتي في قول عباس بن الأحنف :


قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسـانـا



وهذه الفصيحة تفيد معنى تعليل قرب مؤاخذتهم .

والأشراط : جمع شرط بفتحتين ، وهو : العلامة والأمارة على وجود شيء أو على وصفه .

وعلامات الساعة هي علامات كونها قريبة . وهذا القرب يتصور بصورتين : إحداهما أن وقت الساعة قريب قربا نسبيا بالنسبة إلى طول مدة هذا العالم ومن عليه من الخلق .

والثانية : أن ابتداء مشاهدة أحوال الساعة يحصل لكل أحد بموته فإن روحه إذا خلصت عن جسده شاهدت مصيرها مشاهدة إجمالية . وبه فسر حديث أبي [ ص: 104 ] هريرة مرفوعا القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار رواه الترمذي . وهو ضعيف ويفسره حديث ابن عمر مرفوعا إذا مات الميت عرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ثم يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ونهاية حياة المرء قريبة وإن طال العمر .

والأشراط بالنسبة للصورة الأولى : الحوادث التي أخبر النبيء - صلى الله عليه وسلم - أنها تقع بين يدي الساعة ، وأولها بعثته لأنه آخر الرسل وشريعته آخر الشرائع ثم ما يكون بعد ذلك ، وبالنسبة للصورة الثانية أشراطها الأمراض والشيخوخة .

التالي السابق


الخدمات العلمية