الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون .

جيء باسم الإشارة للغرض الذي ذكرناه آنفا عند قوله أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها . وكونه إشارة جمع ، ومخبرة عنه بألفاظ الجمع ظاهر في أن [ ص: 35 ] المراد بالإنسان من قوله ووصينا الإنسان غير معين بل المراد الجنس المستعمل في الاستغراق كما قدمناه .

والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ما قبلها من الوصف والحث يحدث ترقب السامع لمعرفة فائدة ذلك فكان قوله ( أولئك الذين نتقبل عنهم ) إلى آخره جوابا لترقية .

وعموم أحسن ما عملوا يكسب الجملة فائدة التذييل ، أي الإحسان بالوالدين والدعاء لهما وللذرية من أفضل الأعمال فهو من أحسن ما عملوا . وقد تقبل منهم كل ما هو أحسن ما عملوا . والتقبل : ترتب آثار العمل من ثواب على العمل واستجابة الدعاء . وفي هذا إيماء إلى أن هذا الدعاء مرجو الإجابة لأن الله تولى تلقينه ، مثل الدعاء الذي في سورة الفاتحة ودعاء آخر سورة البقرة .

وعدي فعل " يتقبل " بحرف ( عن ) ، وحقه أن يعدى بحرف ( من ) تغليبا لجانب المدعو لهم وهم الوالدان والذرية ، لأن دعاء الولد والوالد لأولئك بمنزلة النيابة عنهم في عبادة الدعاء وإذا كان العمل بالنيابة متقبلا علم أن عمل المرء لنفسه متقبل أيضا ففي الكلام اختصار كأنه قيل : أولئك يتقبل منهم ويتقبل عن والديهم وذريتهم أحسن ما عملوا .

وقرأ الجمهور ( يتقبل ) و ( يتجاوز ) بالياء التحتية مضمومة مبنيين للنائب و ( أحسن ) مرفوع على النيابة عن الفاعل ولم يذكر الفاعل لظهور أن المتقبل هو الله . وقرأهما حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بنونين مفتوحتين ونصب " أحسن " .

وقوله " في أصحاب الجنة " في موضع الحال من اسم الإشارة ، أي كائنين في أصحاب الجنة حين يتقبل أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم لأن أصحاب الجنة متقبل أحسن أعمالهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، وذكر هذا للتنويه بهم بأنهم من الفريق المشرفين كما يقال : أكرمه في أهل العلم .

وانتصب وعد الصدق على الحال من التقبل والتجاوز المفهوم من معاني يتقبل ويتجاوز ، فجاء الحال من المصدر المفهوم من الفعل كما أعيد [ ص: 36 ] عليه الضمير في قوله - تعالى - اعدلوا هو أقرب للتقوى ، أي العدل أقرب للتقوى .

والوعد : مصدر بمعنى المفعول ، أي ذلك موعدهم الذي كانوا يوعدونه .

وإضافة " وعد " إلى " الصدق " إضافة على معنى ( من ) ، أي وعد من الصدق إذ لا يتخلف .

و الذي كانوا يوعدون صفة " وعد الصدق " ، أي ذلك هو الذي كانوا يوعدونه في الدنيا بالقرآن في الآيات الحاثة على بر الوالدين وعلى الشكر وعلى إصلاح الذرية .

التالي السابق


الخدمات العلمية