الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قاعدة : نفي العام يدل على نفي الخاص ، وثبوته لا يدل على ثبوته ، وثبوت الخاص يدل على ثبوت العام ، ونفيه لا يدل على نفيه ، ولا شك أن زيادة المفهوم من اللفظ توجب الالتذاذ به ، فلذلك كان نفي العام أحسن من نفي الخاص ، وإثبات الخاص أحسن من إثبات العام .

فالأول كقوله : فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم [ البقرة : 17 ] ، لم يقل بضوئهم بعد قوله : ( أضاءت ) ؛ لأن النور أعم من الضوء ؛ إذ يقال على القليل والكثير ، وإنما يقال الضوء على النور الكثير ، ولذلك قال : هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا [ يونس : 5 ] ، ففي الضوء دلالة على النور ، فهو أخص منه ، فعدمه يوجب عدم الضوء بخلاف العكس ، والقصد إزالة النور عنهم أصلا ؛ ولذا قال عقبه : ( وتركهم في ظلمات )

ومنه : ليس بي ضلالة [ الأعراف : 61 ] ، ولم يقل ضلال ، كما قالوا : إنا لنراك في ضلال [ الأعراف : 60 ] ؛ لأنها أعم منه ، فكان أبلغ في نفي الضلال ، وعبر عن هذا : بأن نفي الواحد يلزم منه نفي الجنس البتة ، وبأن نفي الأدنى يلزم منه نفي الأعلى .

والثاني كقوله : وجنة عرضها السماوات والأرض [ آل عمران : 133 ] ، ولم يقل : ( طولها ) ؛ لأن العرض أخص ؛ إذ كل ما له عرض فله طول ، ولا ينعكس .

ونظير هذه القاعدة أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل . وقد [ ص: 137 ] أشكل على هذا آيتان : قوله تعالى : وما ربك بظلام للعبيد [ فصلت : 46 ] ، وقوله : وما كان ربك نسيا [ مريم : 46 ] .

وأجيب عن الآية الأولى بأجوبة :

أحدها : أن ( ظلاما ) وإن كان للكثرة لكنه جيء به في مقابلة العبيد الذي هو جمع كثرة ، ويرشحه أنه تعالى قال : علام الغيوب [ المائدة : 109 ] ، فقابل صيغة ( فعال ) بالجمع ، وقال في آية أخرى : عالم الغيب [ الزمر : 46 ] ، فقابل صيغة ( فاعل ) الدالة على أصل الفعل بالواحد .

الثاني : أنه نفى الظلم الكثير لينتفي القليل ضرورة ؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فلأن يترك القليل أولى .

الثالث : أنه على النسبة ؛ أي : بذي ظلم ، حكاه ابن مالك عن المحققين .

الرابع : أنه أتى بمعنى ( فاعل ) لا كثرة فيه .

الخامس : أن أقل القليل لو ورد منه تعالى لكان كثيرا ، كما يقال : زلة العالم كبيرة .

السادس : أنه أراد ليس بظالم ، ليس بظالم ، ليس بظالم ، تأكيدا للنفي فعبر عن ذلك بليس بظلام .

السابع : أنه ورد جوابا لمن قال : ( ظلام ) ، والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم .

الثامن : أن صيغة المبالغة وغيرها من صفات الله سواء في الإثبات ، فجرى النفي على ذلك .

التاسع : أنه قصد التعريض بأن ، ثم ظلاما للعبيد من ولاة الجور .

ويجاب عن الثانية بهذه الأجوبة . وبعاشر : وهو مناسبة رءوس الآي .

التالي السابق


الخدمات العلمية