الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] [ ص: 87 ] تفسير سورة النور [ ص: 88 ] [ ص: 89 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ( 1 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : ( سورة أنزلناها ) وهذه السورة أنزلناها . وإنما قلنا معنى ذلك كذلك ; لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذا لم تكن جوابا ، لأنها توصل كما يوصل الذي ، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة ، فيستقبح الابتداء بها قبل الخبر إذا لم تكن موصولة ، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدئ بها كالصلة لها ، ويصير السامع خبرها كالمتوقع خبرها ، بعد إذ كان الخبر عنها بعدها ، كالصلة لها ، وإذا ابتدئ بالخبر عنها قبلها لم يدخل الشك على سامع الكلام في مراد المتكلم . وقد بينا فيما مضى قبل ، أن السورة وصف لما ارتفع بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

وأما قوله : ( وفرضناها ) فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأه بعض قراء الحجاز والبصرة : " وفرضناها " ويتأولونه : وفصلناها ونزلنا فيها فرائض مختلفة . وكذلك كان مجاهد يقرؤه ويتأوله .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا ابن مهدي ، عن عبد الوارث بن سعيد ، عن حميد ، عن مجاهد ، أنه كان يقرؤها : " وفرضناها " يعني بالتشديد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وفرضناها " قال : الأمر بالحلال ، والنهي عن الحرام .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد ، [ ص: 90 ] وهو أن يوجه إلى أن معناه : وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة . وقرأ ذلك عامةقراء المدينة والكوفة والشأم ( وفرضناها ) بتخفيف الراء ، بمعنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم ، وألزمناكموه وبينا ذلك لكم .

والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أن الله قد فصلها ، وأنزل فيها ضروبا من الأحكام ، وأمر فيها ونهى ، وفرض على عباده فيها فرائض ، ففيها المعنيان كلاهما : التفريض ، والفرض ، فلذلك قلنا بأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب .

ذكر من تأول ذلك بمعنى الفرض ، والبيان من أهل التأويل .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وفرضناها ) يقول : بيناها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( سورة أنزلناها وفرضناها ) قال : فرضناها لهذا الذي يتلوها مما فرض فيها ، وقرأ فيها : ( آيات بينات لعلكم تذكرون ) .

وقوله : ( وأنزلنا فيها آيات بينات ) يقول تعالى ذكره : وأنزلنا في هذه السورة علامات ودلالات على الحق بينات ، يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها بعقل أنها من عند الله ، فإنها الحق المبين ، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وأنزلنا فيها آيات بينات ) قال : الحلال والحرام والحدود ( لعلكم تذكرون ) يقول : لتتذكروا بهذه الآيات البينات التي أنزلناها .

التالي السابق


الخدمات العلمية