الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في سبب تسمية الفأرة فويسقة .

والمراد بالفأرة في كلام الناظم فأرة البيت ، وكذا الجرذ ومنه الخلد . وفأرة البيت هي الفويسقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل ، والحرم . وأصل الفسق الخروج عن الاستقامة ، والجور وبه سمي العاصي فاسقا ، وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل ، والحرم أي لا حرمة لهن بحال .

وقيل سميت الفأرة فويسقة ; لأنها عمدت إلى سفينة نوح عليه السلام فقطعتها . فقد روى الطحاوي في أحكام القرآن بإسناده عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد [ ص: 52 ] الخدري رضي الله عنه لم سميت الفأرة فويسقة ؟ قال { : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال ، والمحرم } .

وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { : جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها قدر موضع درهم } ، والخمرة هي السجادة التي يسجد عليها المصلي سميت بذلك ; لأنها تخمر الوجه أي تغطيه ورواه الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { : جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فذهبت الجارية تزجرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعيها فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم فقال صلى الله عليه وسلم إذا نمتم فأطفئوا سرجكم ، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم } ، ثم قال صحيح الإسناد .

وفي صحيح مسلم وغيره { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإطفاء النار عند النوم وعلل ذلك بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم } . قال في حياة الحيوان وليس في الحيوان أفسد من الفأر لا يبقي على خطير ولا جليل إلا أهلكه وأتلفه ولعل النبي صلى الله عليه وسلم سماها فويسقة كما سماها نوح عليه السلام ، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم حكى قولهم بحروفه ، وأنها كانت تعرف من حينئذ بالفويسقة وخاطب الصحابة رضي الله عنهم بحسب ما عندهم من العلم بتسميتها بذلك .

فقد روى البخاري وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : خمروا الآنية ، وأوكئوا الأسقية وأجيفوا الأبواب وكفوا صبيانكم ، فإن للجن سيارة خطفة وأطفئوا المصابيح عند الرقاد ، فإن الفويسقة ربما أخذت الفتيلة فأحرقت أهل البيت } .

قيل سميت فويسقة لخروجها على الناس واغتيالها إياهم في أموالهم بالفساد . وأصل الفسق الخروج كما ذكرناه آنفا . ومن هذا سمي الخارج عن الطاعة فاسقا يقال فسقت الرطبة عن قشرها إذا خرجت عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية