الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده بعد أن حكى أصنافا من كفر المشركين وعنادهم وتكذيبهم ، ثم ذكرهم بالآيات الدالة على انفراد الله تعالى بالإلهية وما في مطاويها من النعم وحذرهم من الغرور بمتاع الدنيا الزائل أعقبه بقوله : ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وهو معطوف على قوله : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس .

والمعنى : أن فيما سمعتم هداية لمن أراد الله له أن يهتدي ، وأما من قدر الله عليه الضلال فما له من ولي غير الله يهديه أو ينقذه ، فالمراد نفي الولي الذي يصلحه ويرشده كقوله : من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، فالمراد هنا ابتداء معنى خاص من الولاية .

وإضلال الله المرء : خلقه غير سريع للاهتداء أو غير قابل له وحرمانه من تداركه إياه بالتوفيق كلما توغل في الضلالة ، فضلاله من خلق الله وتقدير الله له ، والله دعا الناس إلى الهداية بواسطة رسله وشرائعه قال تعالى : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، أي يدعو كل عاقل ويهدي بعض من دعاهم .

و ( من ) شرطية ، والفاء في فما له من ولي رابطة للجواب . ونفي الولي [ ص: 124 ] كناية عن نفي أسباب النجاة عن الضلالة وعواقب العقوبة عليها لأن الولي من خصائصه نفع مولاه بالإرشاد والانتشال ، فنفي الولي يدل بالالتزام على احتياج إلى نفعه مولاه وذلك يستلزم أن مولاه في عناء وعذاب كما دل عليه قوله عقبه وترى الظالمين لما رأوا العذاب الآية . فهذه كناية تلويحية ، وقد جاء صريح هذا المعنى في قوله : ومن يضلل الله فما له من هاد في سورة الزمر وقوله : ومن يضلل الله فما له من سبيل الآتي في هذه السورة .

وضمير ( بعده ) راجع إلى اسم الجلالة ، أي من بعد الله كقوله تعالى : فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون في سورة الجاثية .

ومعنى ( بعد ) هنا معنى ( دون ) أو ( غير ) استعير لفظ ( بعد ) لمعنى ( دون ) لأن ( بعد ) موضوع لمن يخلف غائبا في مكانه أو في عمله ، فشبه ترك الله الضال في ضلاله بغيبة الولي الذي يترك مولاه دون وصي ولا وكيل لمولاه وتقدم في قوله تعالى : فبأي حديث بعده يؤمنون في سورة الأعراف وقوله : فماذا بعد الحق إلا الضلال في سورة يونس .

و ( من ) زائدة للتوكيد . ومن مواضع زيادتها أن تزاد قبل الظروف غير المتصرفة قال الحريري و ( ما ) منصوب على الظرف لا يخفضه سوى حرف .

التالي السابق


الخدمات العلمية