الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 56 ] وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم

عطف على جملة ولا تتفرقوا فيه وما بينهما اعتراض كما علمت ، وفي الكلام حذف يدل عليه قوله : وما تفرقوا تقديره : فتفرقوا . وضمير ( تفرقوا ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا وهم أمم الرسل المذكورين ، أي أوصيناهم بواسطة رسلهم بأن يقيموا الدين . دل على تقديره ما في فعل ( وصى ) من معنى التبليغ كما تقدم .

والعلم : إدراك العقل جزما أو ظنا .

ومجيء العلم إليهم يؤذن بأن رسلهم بينوا لهم مضار التفرق من عهد نوح كما حكى الله عنه في قوله : ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا إلى قوله : سبلا فجاجا في سورة نوح . وإنما تلقى ذلك العلم علماؤهم .

ويجوز أن يكون المراد بالعلم سبب العلم ، أي إلا من بعد مجيء النبيء صلى الله عليه وسلم بصفاته الموافقة لما في كتابهم فتفرقوا في اختلاق المطاعن والمعاذير الباطلة لينفوا مطابقة الصفات ، فيكون كقوله تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة على أحد تفسيرين .

والمعنى : وما تفرقت أممهم في أديانهم إلا من بعد ما جاءهم العلم على لسان رسلهم من النهي عن التفرق في الدين مع بيانهم لهم مفاسد التفرق وأضراره ، أي أنهم تفرقوا عالمين بمفاسد التفرق غير معذورين بالجهل . وهذا كقوله تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة على التفسير الآخر .

وذكر سبب تفرقهم بقوله : بغيا بينهم أي تفرقوا لأجل العداوة بينهم ، أي بين المتفرقين ، أي لم يحافظوا على وصايا الرسل .

وهذا تعريض بالمشركين في إعراضهم عن دعوة الإسلام لعداوتهم للمؤمنين .

[ ص: 57 ] وقوله : ولولا كلمة سبقت من ربك إلخ تحذير للمؤمنين من مثل ذلك الاختلاف . وتنكير ( كلمة ) للتنويع لأن لكل فريق من المتفرقين في الدين كلمة من الله في تأجيلهم فهو على حد قوله تعالى : وعلى أبصارهم غشاوة . وتنكير ( أجل ) أيضا للتنويع ؛ لأن لكل أمة من المتفرقين أجلا مسمى ، فهي آجال متفاوتة في الطول والقصر ومختلفة بالأزمنة والأمكنة .

والمراد بالكلمة ما أراده الله من إمهالهم وتأخير مؤاخذتهم إلى أجل لهم اقتضته حكمته في نظام هذا العالم ، فربما أخرهم ثم عذبهم في الدنيا ، وربما أخرهم إلى عذاب الآخرة ، وكل ذلك يدخل في الأجل المسمى ، ولكل ذلك كلمته . فالكلمة هنا مستعارة للإرادة والتقدير . وسبقها تقدمها من قبل وقت تفرقهم وذلك سبق علم الله بها وإرادته إياها على وقت علمه وقدره ، وقد تقدم نظير هذه الكلمة في سورة هود وفي سورة طه .

التالي السابق


الخدمات العلمية