الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 480 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ( 80 ) )

يقول تعالى ذكره : وعلمنا داود صنعة لبوس لكم ، واللبوس عند العرب : السلاح كله ، درعا كان أو جوشنا أو سيفا أو رمحا ، يدل على ذلك قول الهذلي :


ومعي لبوس للبيس كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل



وإنما يصف بذلك رمحا ، وأما في هذا الموضع فإن أهل التأويل قالوا : عنى الدروع .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ) . . . الآية ، قال : كانت قبل داود صفائح ، قال : وكان أول من صنع هذا الحلق وسرد داود .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ) قال : كانت صفائح ، فأول من سردها وحلقها داود عليه السلام .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( لتحصنكم ) فقرأ ذلك أكثر قراء الأمصار ( ليحصنكم ) بالياء ، بمعنى : ليحصنكم اللبوس من بأسكم ، ذكروه لتذكير اللبوس ، وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع ( لتحصنكم ) بالتاء ، بمعنى : لتحصنكم الصنعة ، فأنث لتأنيث الصنعة ، وقرأ شيبة بن نصاح وعاصم بن أبي النجود ( لنحصنكم ) بالنون ، بمعنى : لنحصنكم نحن من بأسكم .

قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه [ ص: 481 ] بالياء ، لأنها القراءة التي عليها الحجة من قراء الأمصار ، وإن كانت القراءات الثلاث التي ذكرناها متقاربات المعاني ، وذلك أن الصنعة هي اللبوس ، واللبوس هي الصنعة ، والله هو المحصن به من البأس ، وهو المحصن بتصيير الله إياه كذلك ، ومعنى قوله : ( ليحصنكم ) ليحرزكم ، وهو من قوله : قد أحصن فلان جاريته ، وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل ، والبأس : القتال ، وعلمنا داود صنعة سلاح لكم ليحرزكم إذا لبستموه ، ولقيتم فيه أعداءكم من القتل .

وقوله ( فهل أنتم شاكرون ) يقول : فهل أنتم أيها الناس شاكرو الله على نعمته عليكم بما علمكم من صنعة اللبوس المحصن في الحرب وغير ذلك من نعمه عليكم ، يقول : فاشكروني على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية