الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ( 59 ) قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ( 60 ) قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ( 61 ) )

يقول تعالى ذكره : قال قوم إبراهيم لما رأوا آلهتهم قد جذت ، إلا الذي ربط به الفأس إبراهيم : من فعل هذا بآلهتنا ؟ إن الذي فعل هذا بآلهتنا لمن [ ص: 460 ] الظالمين ! أي لمن الفاعلين بها ما لم يكن له فعله

( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) يقول : قال الذين سمعوه يقول ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) سمعنا فتى يذكرهم بعيب يقال له إبراهيم .

كما حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم ) قال ابن جريج : يذكرهم يعيبهم .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قوله ( سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) سمعناه يسبها ويعيبها ويستهزئ بها ، لم نسمع أحدا يقول ذلك غيره ، وهو الذي نظن صنع هذا بها .

وقوله ( فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) يقول تعالى ذكره : قال قوم إبراهيم بعضهم لبعض : فأتوا بالذي فعل هذا بآلهتنا الذي سمعتموه يذكرها بعيب ويسبها ويذمها على أعين الناس; فقيل : معنى ذلك : على رءوس الناس . وقال بعضهم : معناه : بأعين الناس ومرأى منهم ، وقالوا : إنما أريد بذلك أظهروا الذي فعل ذلك للناس ، كما تقول العرب إذا ظهر الأمر وشهر : كان ذلك على أعين الناس ، يراد به كان بأيدي الناس .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( لعلهم يشهدون ) فقال بعضهم : معناه : لعل الناس يشهدون عليه ، أنه الذي فعل ذلك ، فتكون شهادتهم عليه حجة لنا عليه ، وقالوا إنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يأخذوه بغير بينة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن السدي ( فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) عليه أنه فعل ذلك .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) قال : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لعلهم يشهدون ما يعاقبونه به ، فيعاينونه ويرونه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : بلغ ما فعل إبراهيم بآلهة قومه نمرود وأشراف قومه ، فقالوا : [ ص: 461 ] ( فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) : أي ما يصنع به ، وأظهر معنى ذلك أنهم قالوا : فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون عقوبتنا إياه ، لأنه لو أريد بذلك ليشهدوا عليه بفعله كان يقال : انظروا من شهده يفعل ذلك ، ولم يقل : أحضروه بمجمع من الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية