الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون .

حكاية جواب عاد وثمود لرسوليهم فقد كان جوابا متماثلا ؛ لأنه ناشئ عن تفكير متماثل وهو أن تفكير الأذهان القاصرة من شأنه أن يبنى على تصورات وهمية وأقيسة تخييلية وسفسطائية ، فإنهم يتصورون صفات الله تعالى وأفعاله على غير كنهها ويقيسونها على أحوال المخلوقات ، ولذلك يتماثل في هذا حال أهل الجهالة كما قال تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ، أي بل هم متماثلون في الطغيان ، أي الكفر الشديد فتملي عليهم أوهامهم قضايا متماثلة .

ولكون جوابهم جرى في سياق المحاورة أتت حكاية قولهم غير معطوفة بأسلوب المقاولة ، كما تقدم عند قوله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة [ ص: 255 ] فإن قول الرسل لهم : لا تعبدوا إلا الله قد حكي بفعل فيه دلالة على القول ، وهو فعل جاءتهم كما تقدم آنفا .

فقولهم لو شاء ربنا لأنزل ملائكة يتضمن إبطال رسالة البشر عن الله تعالى .

ومفعول شاء محذوف دل عليه السياق ، أي لو شاء ربنا أن يرسل إلينا لأنزل ملائكة من السماء مرسلين إلينا ، وهذا حذف خاص هو غير حذف مفعول فعل المشيئة الشائع في الكلام لأن ذلك فيما إذا كان المحذوف مدلولا عليه بجواب لو كقوله تعالى فلو شاء لهداكم أجمعين ، ونكتته الإبهام ثم البيان ، وأما الحذف في الآية فهو للاعتماد على قرينة السياق والإيجاز وهو حذف عزيز لمفعول فعل المشيئة ، ونظيره قول المعري :


وإن شئت فازعم أن من فوق ظهرها عبيدك واستشهد إلهك يشهد

وتضمن كلامهم قياسا استثنائيا تركيبه : لو شاء ربنا أن يرسل رسولا لأرسل ملائكة ينزلهم من السماء لكنه لم ينزل إلينا ملائكة فهو لم يشأ أن يرسل إلينا رسولا . وهذا إيماء إلى تكذيبهم الرسل ولهذا فرعوا عليه قولهم فإنا بما أرسلتم به كافرون أي جاحدون رسالتكم وهو أيضا كناية عن التكذيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية