الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ( 112 ) )

يقول تعالى ذكره وتقدست أسماؤه : ومن يعمل من صالحات الأعمال وذلك فيما قيل أداء فرائض الله التي فرضها على عباده ( وهو مؤمن ) يقول : وهو مصدق بالله ، وأنه مجاز أهل طاعته وأهل معاصيه على معاصيهم ( فلا يخاف ظلما ) يقول : فلا يخاف من الله أن يظلمه ، فيحمل عليه سيئات غيره ، فيعاقبه عليها ( ولا هضما ) يقول : لا يخاف أن يهضمه حسناته ، فينقصه ثوابها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ) وإنما يقبل الله من العمل ما كان في إيمان .

حدثنا القاسم قال : قال : ثني حجاج عن ابن جريج قوله ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ) قال : زعموا أنها الفرائض .

ذكر من قال ما قلنا : في معنى قوله ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) .

حدثنا أبو كريب وسليمان بن عبد الجبار قالا : ثنا ابن عطية عن إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) قال : هضما : غصبا .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) قال : لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد عليه في سيئاته ، ولا يظلم فيهضم في حسناته .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني [ ص: 380 ] أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ) يقول : أنا قاهر لكم اليوم ، آخذكم بقوتي وشدتي ، وأنا قادر على قهركم وهضمكم ، فإنما بيني وبينكم العدل ، وذلك يوم القيامة .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) أما هضما فهو لا يقهر الرجل الرجل بقوته ، يقول الله يوم القيامة : لا آخذكم بقوتي وشدتي ، ولكن العدل بيني وبينكم ، ولا ظلم عليكم .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( هضما ) قال : انتقاص شيء من حق عمله .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا أبو أسامة عن مسعر قال : سمعت حبيب بن أبي ثابت يقول في قوله ( ولا هضما ) قال : الهضم : الانتقاص .

حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) قال : ظلما أن يزاد في سيئاته ، ولا يهضم من حسناته .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) قال : لا يخاف أن يظلم فلا يجزى بعمله ، ولا يخاف أن ينتقص من حقه فلا يوفى عمله .

حدثنا الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا سلام بن مسكين عن ميمون بن سياه عن الحسن في قول الله تعالى ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) قال : لا ينتقص الله من حسناته شيئا ، ولا يحمل عليه ذنب مسيء ،

وأصل الهضم النقص ، يقال : هضمني فلان حقي ، ومنه امرأة هضيم : أي ضامرة [ ص: 381 ] البطن ، ومنه قولهم : قد هضم الطعام : إذا ذهب ، وهضمت لك من حقك : أي حططتك .

التالي السابق


الخدمات العلمية