الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 24 ) قال رب اشرح لي صدري ( 25 ) ويسر لي أمري ( 26 ) واحلل عقدة من لساني ( 27 ) يفقهوا قولي ( 28 ) واجعل لي وزيرا من أهلي ( 29 ) هارون أخي ( 30 ) ) [ ص: 299 ]

يقول تعالى ذكره لنبيه موسى صلوات الله عليه : ( اذهب ) يا موسى ( إلى فرعون إنه طغى ) . يقول : إنه تجاوز قدره ، وتمرد على ربه; وقد بينا معنى الطغيان بما مضى بما أغنى عن إعادته ، في هذا الموضع .

وفي الكلام محذوف استغني بفهم السامع بما ذكر منه ، وهو قوله ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) فادعه إلى توحيد الله وطاعته ، وإرسال بني إسرائيل معك ( قال رب اشرح لي صدري ) يقول : رب اشرح لي صدري ، لأعي عنك ما تودعه من وحيك ، وأجترئ به على خطاب فرعون

( ويسر لي أمري ) يقول : وسهل علي القيام بما تكلفني من الرسالة ، وتحملني من الطاعة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( رب اشرح لي صدري ) قال : جرأة لي .

وقوله ( واحلل عقدة من لساني ) يقول : وأطلق لساني بالمنطق ، وكانت فيه فيما ذكر عجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الجمرة إلى فيه يوم هم فرعون بقتله .

ذكر الرواية بذلك عمن قاله : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( عقدة من لساني ) قال : عجمة لجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون ، ترد به عنه عقوبة فرعون ، حين أخذ موسى بلحيته وهو لا يعقل ، فقال : هذا عدو لي ، فقالت له . إنه لا يعقل .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ( واحلل عقدة من لساني ) لجمرة نار أدخلها في فيه عن أمر امرأة فرعون ، تدرأ به عنه عقوبة فرعون ، حين أخذ موسى بلحيته وهو لا يعقل ، فقال : هذا عدو لي ، فقالت له : إنه لا يعقل ، هذا قول سعيد بن جبير .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله ( واحلل عقدة من لساني ) قال : عجمة الجمرة نار أدخلها في فيه ، عن أمر امرأة فرعون ترد به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلحيته . [ ص: 300 ]

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : لما تحرك الغلام ، يعني موسى ، أورته أمه آسية صبيا ، فبينما هي ترقصه وتلعب به ، إذ ناولته فرعون ، وقالت : خذه ، فلما أخذه إليه أخذ موسى بلحيته فنتفها ، فقال فرعون : علي بالذباحين ، قالت آسية : ( لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) إنما هو صبي لا يعقل ، وإنما صنع هذا من صباه ، وقد علمت أنه ليس في أهل مصر أحلى منى أنا أضع له حليا من الياقوت ، وأضع له جمرا ، فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه ، وإن أخذ الجمر فإنه هو صبي ، فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر ، فجاء جبرائيل صلى الله عليه وسلم ، فطرح في يده جمرة ، فطرحها موسى في فيه ، فأحرقت لسانه ، فهو الذي يقول الله عز وجل ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) ، فزالت عن موسى من أجل ذلك .

وقوله ( يفقهوا قولي ) يقول : يفقهوا عني ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلام ( واجعل لي وزيرا من أهلي ) يقول : واجعل لي عونا من أهل بيتي ( هارون أخي ) .

وفي نصب هارون وجهان : أحدهما أن يكون هارون منصوبا على الترجمة عن الوزير .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : كان هارون أكبر من موسى .

التالي السابق


الخدمات العلمية