الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 266 ] [ ص: 267 ] بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى : ( طه ( 1 ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( 2 ) إلا تذكرة لمن يخشى ( 3 ) )

قال أبو جعفر محمد بن جرير : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طه ) فقال بعضهم : معناه يا رجل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو تميلة ، عن الحسن بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : طه : بالنبطية : يا رجل .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) فإن قومه قالوا : لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله تعالى ذكره ( طه ) يعني : يا رجل ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن مسلم ، أو يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير أنه قال : طه : يا رجل بالسريانية .

قال ابن جريج : وأخبرني زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بذلك أيضا . قال ابن جريج ، وقال مجاهد ، ذلك أيضا .

حدثنا عمران بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا عمارة عن عكرمة ، في قوله ( طه ) قال : يا رجل ، كلمه بالنبطية .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد الله ، عن عكرمة ، في قوله ( طه ) قال : بالنبطية : يا إنسان .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن قرة بن خالد ، عن الضحاك ، في قوله ( طه ) قال : يا رجل بالنبطية .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن [ ص: 268 ] حصين ، عن عكرمة في قوله ( طه ) قال : يا رجل .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( طه ) قال : يا رجل ، وهي بالسريانية .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن في قوله ( طه ) قالا يا رجل .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، يعني ابن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( طه ) قال : يا رجل .

وقال آخرون : هو اسم من أسماء الله ، وقسم أقسم الله به .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( طه ) قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو اسم من أسماء الله .

وقال آخرون : هو حروف هجاء .

وقال آخرون : هو حروف مقطعة يدل كل حرف منها على معنى ، واختلفوا في ذلك اختلافهم في "ألم" .

وقد ذكرنا ذلك في مواضعه ، وبينا ذلك بشواهده .

والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال : معناه : يا رجل ، لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني ، وأن معناها فيهم : يا رجل ، أنشدت لمتمم بن نويرة :


هتفت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا



وقال آخر : [ ص: 2 ]


إن السفاهة طه من خلائقكم     لا بارك الله في القوم الملاعين



فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا ، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه ، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين .

فتأويل الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل ، وذكر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النصب والعناء والسهر في قيام الليل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال : هي مثل قوله ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فكانوا يعلقون الحبال في صدورهم في الصلاة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) قال : في الصلاة كقوله : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) لا والله ما جعله الله شقيا ، ولكن جعله رحمة ونورا ، ودليلا إلى الجنة .

وقوله ( إلا تذكرة لمن يخشى ) يقول تعالى ذكره : ما أنزلنا عليك هذا القرآن إلا تذكرة لمن يخشى عقاب الله ، فيتقيه بأداء فرائض ربه واجتناب محارمه .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إلا تذكرة لمن يخشى ) وإن الله أنزل كتبه ، وبعث رسله رحمة رحم الله بها العباد ، ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر له أنزل الله فيه حلاله وحرامه ، فقال ( تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ) . [ ص: 270 ]

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( إلا تذكرة لمن يخشى ) قال : الذي أنزلناه عليك تذكرة لمن يخشى .

فمعنى الكلام إذن : يا رجل ما أنزلنا عليك هذا القرآن لتشقى به ، ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى .

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب تذكرة ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : قال : إلا تذكرة بدلا من قوله لتشقى ، فجعله : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة ، وكان بعض نحويي الكوفة يقول : نصبت على قوله : ما أنزلناه إلا تذكرة ، وكان بعضهم ينكر قول القائل : نصبت بدلا من قوله ( لتشقى ) ويقول : ذلك غير جائز ، لأن ( لتشقى ) في الجحد ، و ( إلا تذكرة ) في التحقيق ، ولكنه تكرير ، وكان بعضهم يقول : معنى الكلام : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى ، لا لتشقى .

التالي السابق


الخدمات العلمية