الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ( 83 ) فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ( 84 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله ( تؤزهم ) يقول : تحركهم بالإغواء والإضلال ، فتزعجهم إلى معاصي الله ، وتغريهم بها حتى يواقعوها ( أزا ) إزعاجا وإغواء .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( أزا ) يقول : تغريهم إغراء . [ ص: 252 ]

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : تؤز الكافرين إغراء في الشرك : امض امض في هذا الأمر ، حتى توقعهم في النار ، امضوا في الغي امضوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو إدريس ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله ( تؤزهم أزا ) قال : تغريهم إغراء .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( تؤزهم أزا ) قال : تزعجهم إزعاجا في معصية الله .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا ابن عثمة ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة في قول الله ( تؤزهم أزا ) قال : تزعجهم إلى معاصي الله إزعاجا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( تؤزهم أزا ) قال تزعجهم إزعاجا في معاصي الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) فقرأ ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) قال : تؤزهم أزا ، قال : تشليهم إشلاء على معاصي الله تبارك وتعالى ، وتغريهم عليها ، كما يغري الإنسان الآخر على الشيء ، يقال منه : أززت فلانا بكذا ، إذا أغريته به أؤزه أزا وأزيزا ، وسمعت أزيز القدر : وهو صوت غليانها على النار ; ومنه حديث مطرف عن أبيه ، أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل .

وقوله ( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ) يقول عز ذكره : فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك ، يا محمد إنما نعد لهم عدا ، يقول : فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما ، ونحن نعد أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها ، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 253 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ، ( إنما نعد لهم عدا ) يقول : أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا ، فهي معدودة كسنهم وآجالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية