الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة .

الجملة اعتراض بين الثناء على القرآن فيما مضى وقوله الآتي ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل .

وجعلها المفسرون تفريعا على جملة ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد بدلالة مجموع الجملتين على فريقين : فريق مهتد ، وفريق ضال ، ففرع على ذلك هذا الاستفهام المستعمل في معنى مجازي .

وجعل المفسرون في الكلام حذفا ، وتقدير المحذوف : كمن أمن العذاب ؛ أو كمن هو في النعيم . وجعلوا الاستفهام تقريريا أو إنكاريا ، والمقصود : عدم التسوية بين من هو في العذاب ، وهو الضال ، ومن هو في النعيم ، وهو الذي هداه الله ؛ وحذف حال الفريق الآخر لظهوره من المقابلة التي اقتضاها الاستفهام بناء على أن هذا التركيب نظير قوله أفمن حق عليه كلمة العذاب وقوله [ ص: 393 ] أفمن شرح الله صدره للإسلام والقول فيه مثل القول في سابقه من الاستفهام وحذف الخبر ، وتقديره : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ، لأن الله أضله كمن أمن من العذاب لأن الله هداه ، وهو كقوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله والمعنى : أن الذين اهتدوا لا ينالهم العذاب .

ويجوز عندي أن يكون الكلام تفريعا على جملة ومن يضلل الله فما له من هاد تفريعا لتعيين ما صدق ( من ) في قوله ومن يضلل الله فما له من هاد ويكون " من يتقي " خبرا لمبتدأ محذوف ، تقديره : أفهو من يتقي بوجهه سوء العذاب ، والاستفهام للتقرير .

والاتقاء : تكلف الوقاية وهي الصون والدفع ، وفعلها يتعدى إلى مفعولين ، يقال : وقى نفسه ضرب السيف ، ويتعدى بالباء إلى سبب الوقاية ، يقال : وقى بترسه ، وقال النابغة : .


سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد

وإذا كان وجه الإنسان ليس من شأنه أن يوقى به شيء من الجسد ، إذ الوجه أعز ما في الجسد وهو يوقى ولا يتقى به ، فإن من جبلة الإنسان إذا توقع ما يصيب جسده ستر وجهه خوفا عليه ، فتعين أن يكون الاتقاء بالوجه مستعملا كناية عن عدم الوقاية على طريقة التهكم أو التمليح ، فكأنه قيل : من يطلب وقاية وجهه فلا يجد ما يقيه به إلا وجهه ، وهذا من إثبات الشيء بما يشبه نفيه ، وقريب منه قوله تعالى وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل .

و " سوء العذاب " منصوب على المفعولية لفعل " يتقي " ، وأصله مفعول ثان إذ أصله : وقى نفسه سوء العذاب ، فلما صيغ منه الافتعال صار الفعل متعديا إلى مفعول واحد هو الذي كان مفعولا ثانيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية