الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذلك يخوف الله به عباده تذييل للتهديد بالوعيد من قوله تعالى قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم الآية ، أو استئناف بياني بتقدير سؤال يخطر في نفس السامع لوصف عذابهم بأنه ظل من النار من فوقهم وظل من تحتهم أن يقول سائل : ما يقع إعداد العذاب لهم في الآخرة بعد فوات تدارك كفرهم ؟ فأجيب بأن الله جعل ذلك العذاب في الآخرة لتخويف الله عباده حين يأمرهم بالاستقامة ويشرع لهم الشرائع ليعلموا أنهم إذا لم يستجيبوا لله ورسله تكون ذلك عاقبتهم . ولما كان وعيد الله خبرا منه ولا يكون إلا صدقا حقق لهم في الآخرة ما توعدهم به في الحياة ، وتخويف الله به معناه أنه يخوفهم بالإخبار به وبوصفه ، أما إذاقتهم إياه فهي تحقيق للوعيد .

ويعلم من هذا بطريق المقابلة جعل الجنة لترغيب عباده في التقوى ، إلا أنه طوى ذكره لأن السياق موعظة أهل الشرك ، فالله جعل الجنة وجهنم إتماما لحكمته ومراده من نظام الحياة الدنيا ليكون الناس فيها على أكمل ما ترتقي إليه النفس الزكية . والظاهر أن الجنة جعلها الله مسكنا لأهل النفوس المقدسة من الملائكة والناس مثل الرسل ؛ فلذلك هي مخلوقة من قبل ظهور التكليف ، وأما جهنم فيحتمل أنها مقدمة وهو ظاهر حديث اشتكت النار إلى ربها فقالت : أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، ويحتمل أنها تخلق يوم الجزاء ويتأول الحديث .

وقوله تعالى ذلك إشارة إلى ما وصف من الخسران والعذاب بتأويل المذكور .

[ ص: 363 ] والتخويف مصدر خوفه ، إذا جعله خائفا إذا أراه ووصف له شيئا يثير في نفسه الخوف ، وهو الشعور بما يؤلم النفس بواسطة إحدى الحواس الخمس .

والعباد المضاف إلى ضمير الجلالة في الموضعين هنا يعم كل عبد من الناس من مؤمن وكافر إذ الجميع يخافون العذاب على العصيان ، والعذاب متفاوت ؛ وأقصاه : الخلود لأهل الشرك ، وليس العباد هنا مرادا به أهل القرب لأنه لا يناسب مقام التخويف ولأن قرينة قوله " عباده " تدل على أن المنادين جميع العباد ، ففرق بينه وبين نحو يا عبادي لا خوف عليكم اليوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية