الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين تخلص الكلام من عدم انتفاعهم بالآيات الدالة على وحدانية الله إلى عدم انتفاعهم بالأقوال المبلغة إليهم في القرآن من الموعظة ، والتذكير بما حل بالأمم المكذبة أن يصيبهم مثل ما أصابهم ، وبعدم انتفاعهم بتذكير القرآن إياهم بالأدلة على وحدانية الله ، وعلى البعث .

وبناء فعل " قيل " للمجهول لظهور أن القائل هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تبليغه عن الله تعالى ، أي قيل لهم في القرآن .

وما بين الأيدي يراد منه المستقبل ، وما هو خلف يراد منه الماضي ، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام مصدقا لما بين يدي من التوراة ، أي ما تقدمني . وذلك أن أصل هذين التركيبين تمثيلان فتارة ينظرون إلى تمثيل المضاف إليه بسائر إلى مكان فالذي بين يديه هو ما سيرد هو عليه ، والذي من ورائه هو ما خلفه خلفه في سيره ، وتارة ينظرون إلى تمثيل المضاف بسائر ، فهو إذا كان بين يدي المضاف إليه فقد سبقه في السير فهو سابق له وإذا كان خلف المضاف إليه فقد تأخر عنه فهو وارد بعده .

وقد فسرت هذه الآية بالوجهين فقيل : ما بين أيديكم من أمر الآخرة وما خلفكم من أحوال الأمم في الدنيا ، وهو عن مجاهد وابن جبير عن ابن عباس .

وقيل : ما بين أيديكم أحوال الأمم في الدنيا وما خلفكم من أحوال الآخرة [ ص: 31 ] وهو عن قتادة وسفيان . ومتى حمل أحد الموصولين على ما سبق من أحوال الأمم وجب تقدير مضافين قبل ما الموصولة هما المفعول ، أي اتقوا مثل أحوال ما بين أيديكم ، أو أحوال ما خلفكم ، ولا يقدر مضافان في مقابله لأن ماصدق ما الموصولة فيه حينئذ هو عذاب الآخرة فهو مفعول اتقوا ، وتقدم قوله تعالى فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها في سورة البقرة .

ولعل للرجاء ، أي ترجى لكم رحمة الله ، لأنهم إذا اتقوا حذروا ما يوقع في المتقى فارتكبوا واجتنبوا وبادروا بالتوبة فيما فرط فرضي ربهم عنهم فرحمهم بالثواب وجنبهم العقاب . والكلام في لعل الواردة في كلام الله تعالى تقدم عند قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون في سورة البقرة .

وجواب إذا محذوف دل عليه قوله في الجملة المعطوفة إلا كانوا عنها معرضين . فالتقدير هنا : كانوا معرضين .

وجملة ( ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) واقعة موقع التذييل لما قبلها ، ففيها تعميم أحوالهم وأحوال ما يبلغونه من القرآن ، فكأنه قيل : وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا ، والإعراض دأبهم في كل ما يقال لهم .

والآيات : آيات القرآن التي تنزل فيقرؤها النبيء - صلى الله عليه وسلم - عليهم ، فأطلق على بلوغها إليهم فعل الإتيان . ووصفها بأنها من آيات ربهم للتنويه بالآيات والتشنيع عليهم بالإعراض عن كلام ربهم كفرا بنعمة خلقه إياهم .

و " ما " نافية ، والاستثناء من أحوال محذوفة ، أي ما تأتيهم آية في حال من أحوالهم إلا كانوا عنها معرضين . وجملة كانوا عنها معرضين في موضع الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية