الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير

الواو عاطفة فعل قول محذوفا لعلمه من السياق بحسب الضمير في نعمركم معطوفا على جملة وهم يصطرخون فيها فإن صراخهم كلام منهم ، والتقدير : يقولون ربنا أخرجنا ونقول ألم نعمركم .

والاستفهام تقريع للتوبيخ ، وجعل التقرير على النفي توطئة لينكره المقرر حتى إذا قال : بلى علم أنه لم يسعه الإنكار إليه حتى مع تمهيد وطاء الإنكار عليه .

والتعمير : تطويل العمر . وقد تقدم غير مرة ، منها عند قوله تعالى يود أحدهم لو يعمر ألف سنة في سورة البقرة ، وقوله وما يعمر من معمر في هذه السورة .

و " ما " ظرفية مصدرية ، أي زمان تعمير معمر .

وجملة يتذكر فيه من تذكر صفة لـ " ما " ، أي زمانا كافيا بامتداده للتذكر والتبصير .

والنذير : الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - . وجملة وجاءكم النذير عطف على جملة ألم نعمركم لأن معناها الخبر [ ص: 320 ] فعطف عليها الخبر ، على أن عطف الخبر على الإنشاء جائز على التحقيق وهو هنا حسن .

ووصف الرسول بالنذير لأن الأهم من شأنه بالنسبة إليهم هو النذارة .

والفاء في فذوقوا للتفريع ، وحذف مفعول " ذوقوا " لدلالة المقام عليه ، أي ذوقوا العذاب .

والأمر في قوله فذوقوا مستعمل في معنى الدوام وهو كناية عن عدم الخلاص من العذاب .

وقوله فما للظالمين من نصير تفريع على ما سبق من الحكاية . فيجوز أن يكون من جملة الكلام الذي وبخهم الله به فهو تذييل له وتفريع عليه لتأييسهم من الخلاص يعني : فأين الذين زعمتم أنهم أولياؤكم ونصراؤكم فما لكم من نصير .

وعدل عن ضمير الخطاب أن يقال : فما لكم من نصير ، إلى الاسم الظاهر بوصف الظالمين لإفادة سبب انتفاء النصير عنهم ، ففي الكلام إيجاز ، أي لأنكم ظالمون وما للظالمين من نصير ، فالمقصود ابتداء نفي النصير عنهم ويتبعه التعميم بنفي النصير عن كل من كان مثلهم من المشركين .

ويجوز أن يكون كلاما مستقلا مفرعا على القصة ذيلت به للسامعين من قوله والذين كفروا لهم نار جهنم ، فليس فيه عدول عن الإضمار إلى الإظهار لأن المقصود إفادة شمول هذا الحكم لكل ظالم فيدخل الذين كفروا المتحدث عنهم في العموم .

والظلم : هو الاعتداء على حق صاحب حق ، وأعظمه الشرك لأنه اعتداء على الله بإنكار صفته النفسية وهو الوحدانية ، واعتداء المشرك على نفسه إذا أقحمها في العذاب قال تعالى : إن الشرك لظلم عظيم .

وتعميم الظالمين وتعميم النصير يقتضي أن نصر الظالم تجاوز للحق ، لأن الحق أن لا يكون للظالم نصير ، إذ واجب الحكمة والحق أن يأخذ المقتدر على يد كل ظالم لأن الأمة مكلفة بدفع الفساد عن جماعتها .

[ ص: 321 ] وفي هذا إبطال لخلق أهل الجاهلية القائلين في أمثالهم انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، وقد ألقى النبيء - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه إبطال ذلك ؛ فساق لهم هذا المثل حتى سألوا عنه ثم أصلح معناه مع بقاء لفظه فقال " إذا كان ظالما تنصره على نفسه فتكفه عن ظلمه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية