الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما بين حال محمد - صلى الله عليه وسلم - مع قومه ، بين أن حال كل الأنبياء مع أقوامهم كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي [ ص: 86 ] الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : هذه الآية تدل على أن كل جماعة ممن تقدم قد بعث الله إليهم رسولا والله تعالى ما أهمل أمة من الأمم قط ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) [ فاطر : 24 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف يصح هذا مع ما يعلمه من أحوال الفترة ومع قوله سبحانه : ( لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ) [ يس : 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : الدليل الذي ذكرناه لا يوجب أن يكون الرسول حاضرا مع القوم ، لأن تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسولا إليهم ، كما لا يمنع تقدم رسولنا من كونه مبعوثا إلينا إلى آخر الأبد . وتحمل الفترة على ضعف دعوة الأنبياء ووقوع موجبات التخليط فيها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في الكلام إضمار والتقدير : فإذا جاء رسولهم وبلغ فكذبه قوم وصدقه آخرون قضى بينهم أي حكم وفصل .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : المراد من الآية أحد أمرين : إما بيان أن الرسول إذا بعث إلى كل أمة فإنه بالتبليغ وإقامة الحجة يزيح كل علة فلا يبقى لهم عذر في مخالفته أو تكذيبه ، فيدل ذلك على أن ما يجري عليهم من العذاب في الآخرة يكون عدلا ولا يكون ظلما ; لأنهم من قبل أنفسهم وقعوا في ذلك العقاب ، أو يكون المراد أن القوم إذا اجتمعوا في الآخرة جمع الله بينهم وبين رسولهم في وقت المحاسبة ، وبان الفصل بين المطيع والعاصي ليشهد عليهم بما شاهد منهم ، وليقع منهم الاعتراف بأنه بلغ رسالات ربه فيكون ذلك من جملة ما يؤكد الله به الزجر في الدنيا كالمساءلة ، وإنطاق الجوارح ، والشهادة عليهم بأعمالهم والموازين وغيرها ، وتمام التقرير على هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن الله شهيد عليهم ، فكأنه تعالى يقول : أنا شهيد عليهم وعلى أعمالهم يوم القيامة ، ومع ذلك فإني أحضر في موقف القيامة مع كل قوم رسولهم ، حتى يشهد عليهم بتلك الأعمال .

                                                                                                                                                                                                                                            والمراد منه المبالغة في إظهار العدل .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن دليل القول الأول هو قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] وقوله : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء : 165 ] وقوله : ( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ) [ طه : 134 ] ؛ ودليل القول الثاني قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) إلى قوله : ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ البقرة : 143 ] وقوله : ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) [ الفرقان : 30 ] وقوله تعالى : ( وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) فالتكرير لأجل التأكيد والمبالغة في نفي الظلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية