الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون كان من أعظم ما أنكروه مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - القيامة والبعث ولذلك عقب إبطال قولهم في إنكار الرسالة بإبطال قولهم في إنكار البعث ، والجملة معطوفة على خبر " لكن " . والتقدير : ولكن أكثر الناس لا يعلمون حق البشارة والنذارة ويتهكمون فيسألون عن وقت هذا الوعد الذي هو مظهر البشارة والنذارة . ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والواو للاستئناف .

وضمير يقولون عائد إلى المحاجين من المشركين الذين صدرت عنهم هذه [ ص: 200 ] المقالة . وصيغة المضارع في يقولون تفيد التعجيب من مقالتهم كقوله تعالى يجادلنا في قوم لوط مع إفادتها تكرر ذلك القول منهم وتجدده .

وجملة قل لكم ميعاد يوم إلى آخرها مسوقة مساق الجواب عن مقالتهم ولذلك فصلت ولم تعطف ، على طريقة حكاية المحاورات في القرآن ، وهذا الجواب جرى على طريقة الأسلوب الحكيم ، أي أن الأهم للعقلاء أن تتوجه هممهم إلى تحقق وقوع الوعد في الوقت الذي عينه الله له وإنه لا يؤخره شيء ولا يقدمه ، وحسن هذا الأسلوب أن سؤالهم إنما أرادوا به الكناية عن انتفاء وقوعه .

وفي هذا الجواب تعريض بالتهديد فكان مطابقا للمقصود من الاستفهام ، ولذلك زيد في الجواب كلمة " لكم " إشارة إلى أن هذا الميعاد منصرف إليهم ابتداء .

وضمير جمع المخاطب في قوله إن كنتم صادقين إما للرسول - صلى الله عليه وسلم - باعتبار أن معه جماعة يخبرون بهذا الوعد ، وإما الخطاب موجه للمسلمين .

واسم الإشارة في هذا الوعد للاستخفاف والتحقير كقول قيس بن الخطيم :


متى يأت هذا الموت لا تبق حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها

وجواب كنتم صادقين دل عليه السؤال ، أي إن كنتم صادقين فعينوا لنا ميقات هذا الوعد . وهذا كلام صادر عن جهالة لأنه لا يلزم من الصدق في الإخبار بشيء أن يكون المخبر عالما بوقت حصوله ولو في المضي فكيف به في الاستقبال . وخولف مقتضى الظاهر في الجواب من الإتيان بضمير الوعد الواقع في كلامهم إلى الإتيان باسم ظاهر وهو ميعاد يوم لما في هذا الاسم النكرة من الإبهام الذي يوجه نفوس السامعين إلى كل وجه ممكن في محمل ذلك ، وهو أن يكون يوم البعث أو يوما آخر يحل فيه عذاب أئمة الكفر وزعماء المشركين وهو يوم بدر ولعل الذين قتلوا يومئذ هم أصحاب مقالة متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . وأفاد تنكير يوم تهويلا وتعظيما بقرينة المقام .

والميعاد : مصدر ميمي للوعد فإضافته إلى ظرفه بيانية . ويجوز كونه مستعملا [ ص: 201 ] في الزمان وإضافته إلى اليوم بيانية لأن الميعاد هو اليوم نفسه .

وجملة لا تستأخرون عنه ساعة إما صفة لـ " ميعاد " وإما حال من ضمير " لكم " .

والاستئخار والاستقدام مبالغة في التأخر والتقدم مثل : استجاب ، فالسين والتاء للمبالغة .

وقدم الاستئخار على الاستقدام إيماء إلى أنه ميعاد بأس وعذاب عليهم من شأنه أن يتمنوا تأخره ، ويكون " ولا تستقدمون " تتميما لتحققه عند وقته المعين في علم الله .

والساعة : حصة من الزمن ، وتنكيرها للتقليل بمعونة المقام .

التالي السابق


الخدمات العلمية