الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : وهو على ثلاث درجات : الأولى : أن يعلم أن العبد لا يملك قبل عمله استطاعة . فلا يأمن من مكر ، ولا ييأس من معونة ، ولا يعول على نية .

أي يتحقق أن استطاعته بيد الله ، لا بيده ، فهو مالكها دونه . فإنه إن لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز . فهو لا يتحرك إلا بالله ، لا بنفسه . فكيف يأمن المكر ، وهو محرك لا محرك ؟ يحركه من حركته بيده ، فإن شاء ثبطه وأقعده مع القاعدين .

كما قال فيمن منعه هذا التوفيق : ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ) .

فهذا مكر الله بالعبد : أن يقطع عنه مواد توفيقه . ويخلي بينه وبين نفسه ، ولا يبعث دواعيه ، ولا يحركه إلى مراضيه ومحابه . وليس هذا حقا على الله . فيكون ظالما بمنعه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . بل هو مجرد فضله الذي يحمد على بذله لمن بذله ، وعلى منعه لمن منعه إياه . فله الحمد على هذا وهذا .

ومن فهم هذا فهم بابا عظيما من سر القدر ، وانجلت له إشكالات كثيرة . فهو سبحانه لا يريد من نفسه فعلا يفعله بعبده يقع منه ما يحبه ويرضاه . فيمنعه فعل نفسه به ، وهو توفيقه ؛ لأنه يكرهه ، ويقهره على فعل مساخطه ، بل يكله إلى نفسه وحوله وقوته ، ويتخلى عنه . فهذا هو المكر .

قوله : ولا ييأس من معونة ، يعني إذا كان المحرك له هو الرب جل جلاله . وهو أقدر القادرين . وهو الذي تفرد بخلقه ورزقه . وهو أرحم الراحمين . فكيف ييأس من معونته له ؟

قوله : ولا يعول على نية ، أي لا يعتمد على نيته وعزمه ، ويثق بها . فإن نيته وعزمه [ ص: 141 ] بيد الله تعالى لا بيده . وهي إلى الله لا إليه . فلتكن ثقته بمن هي في يده حقا ، لا بمن هي جارية عليه حكما .

التالي السابق


الخدمات العلمية