الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( 35 ) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( 36 ) ) [ ص: 17 ] يقول تعالى ذكره : ( و ) اذكر يا محمد ( إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا ) يعني الحرم ، بلدا آمنا أهله وسكانه ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) يقال منه : جنبته الشر فأنا أجنبه جنبا وجنبته الشر ، فأنا أجنبه تجنيبا ، وأجنبته ذلك فأنا أجنبه إجنابا ، ومن جنبت قول الشاعر :


وتنفض مهده شفقا عليه وتجنبه قلائصنا الصعابا

ومعنى ذلك : أبعدني وبني من عبادة الأصنام ، والأصنام : جمع صنم ، والصنم : هو التمثال المصور ، كما قال رؤبة بن العجاج في صفة امرأة :


وهنانة كالزون يجلى صنمها     تضحك عن أشنب عذب ملثمه

وكذلك كان مجاهد يقول : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده ، قال : فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته . والصنم : التمثال المصور ، ما لم يكن صنما فهو وثن ، قال : واستجاب الله له ، وجعل هذا البلد آمنا ، ورزق أهله من الثمرات ، وجعله إماما ، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة ، وتقبل دعاءه ، فأراه مناسكه ، وتاب عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : كان إبراهيم التيمي يقص ويقول في قصصه : من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم ، حين يقول : رب ( اجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) .

وقوله : ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) يقول : يا رب إن الأصنام [ ص: 18 ] أضللن : يقول : أزلن كثيرا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن ، وكفروا بك .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إنهن أضللن كثيرا من الناس ) يعني الأوثان .

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ( إنهن أضللن كثيرا من الناس ) قال : الأصنام .

وقوله : ( فمن تبعني فإنه مني ) يقول : فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك وإخلاص العبادة لك وفراق عبادة الأوثان ، فإنه مني : يقول : فإنه مستن بسنتي ، وعامل بمثل عملي ( ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) يقول : ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه ، وأشرك بك ، فإنك غفور لذنوب المذنبين الخطائين بفضلك ، ورحيم بعبادك تعفو عمن تشاء منهم .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم لا والله ما كانوا طعانين ولا لعانين ، وكان يقال : إن من أشر عباد الله كل طعان لعان ، قال نبي الله ابن مريم عليه السلام : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) .

حدثني المثنى ، قال : ثنا أصبغ بن الفرج ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : ثنا عمرو بن الحارث أن بكر بن سؤادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) ، وقال عيسى ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فرفع يديه ثم قال : اللهم أمتي ، اللهم أمتي ، وبكى ، فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد ، وربك أعلم ، فاسأله ما يبكيه؟ فأتاه جبرئيل فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، قال : فقال الله : يا جبرئيل اذهب إلى محمد وقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .

التالي السابق


الخدمات العلمية