الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 526 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( 7 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : واذكروا أيضا حين آذنكم ربكم .

و "تأذن" "تفعل" من "آذن" . والعرب ربما وضعت "تفعل" موضع "أفعل" كما قالوا : "أوعدته" و "توعدته" بمعنى واحد . و "آذن" أعلم ، كما قال الحارث بن حلزة :


آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء



يعني بقوله : " آذنتنا" أعلمتنا .

وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ : ( وإذ تأذن ربكم ) : "وإذ قال ربكم" -

20583 - حدثني بذلك الحارث قال : حدثني عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه .

20584 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإذ تأذن ربكم ) ، وإذ قال ربكم ، ذلك "التأذن" .

وقوله : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، يقول : لئن شكرتم ربكم ، بطاعتكم إياه [ ص: 527 ] فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمه عليكم ، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص من عذابهم .

وقيل في ذلك قول غيره ، وهو ما : -

20585 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا الحسين بن الحسن قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت علي بن صالح ، يقول في قول الله عز وجل : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال : أي من طاعتي .

20586 - حدثنا المثنى قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت علي بن صالح ، فذكر نحوه .

20587 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال : من طاعتي .

20588 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال : من طاعتي .

قال أبو جعفر : ولا وجه لهذا القول يفهم؛ لأنه لم يجر للطاعة في هذا الموضع ذكر فيقال : إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جرى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله : ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ) ، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم . فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام : زادهم من نعمه ، لا مما لم يجر له ذكر من "الطاعة" إلا أن يكون أريد به : لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر ، لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجها .

[ ص: 528 ] وقوله : ( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، يقول : ولئن كفرتم ، أيها القوم ، نعمة الله ، فجحدتموها بترك شكره عليها وخلافه في أمره ونهيه ، وركوبكم معاصيه ( إن عذابي لشديد ) ، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي .

وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله : ( وإذ تأذن ربكم ) ، وتأذن ربكم . ويقول : "إذ" من حروف الزوائد ، وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية