الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 271 ] ذكر ما يكون لأدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم ، من اتساع الملك العظيم ، والنعيم المقيم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] . وقد تقدم في حديث ابن مسعود ، في آخر من يدخل الجنة ، أن الله يقول له : " أما ترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ؟ " وكذلك في غيره من الأحاديث الصحيحة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن ثوير " هو ابن أبي فاختة ، عن ابن عمر ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي ينظر إلى جنانه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وإن أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " . ثم تلا هذه الآية : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ القيامة : 22 ، 23 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 272 ] وقال أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر أزواجه وخدمه ، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، به . قال : وقد روي من غير وجه ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، عن ابن عمر مرفوعا . قال : ورواه الثوري ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قوله . قال : ورواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن ابن عمر موقوفا . كذا قال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم رواية أحمد بهذه الطريق مرفوعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى مسلم والطبراني - وهذا لفظه - من حديث سفيان بن عيينة ، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ، عن الشعبي ، عن المغيرة [ ص: 273 ] بن شعبة - رفعه ابن أبجر ، ولم يرفعه مطرف - قال : " قال موسى عليه السلام : يا رب ، أخبرني عن أدنى أهل الجنة منزلة . قال : نعم ، هو رجل يجيء بعد ما نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ، فيقال له : ادخل الجنة . فيقول : يا رب ، وكيف أدخلها ، وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقول : أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب . فيقول : إن لك مثله ومثله - وعقد سفيان أصابعه الخمس - فيقول : رضيت رب . فيقول : إن لك هذا وما اشتهت نفسك ، ولذت عينك . فيقول : رضيت رب . قال موسى : يا رب ، فأخبرني عن أعلى أهل الجنة منزلة . قال : نعم ، أولئك الذين أردت ، وسأخبرك عنهم ، غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر " . ومصداق ذلك في كتاب الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " الصحيحين " - واللفظ لمسلم - من حديث الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . مصداق ذلك في [ ص: 274 ] كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : " فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . ثم قرأ هذه الآية : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 16 ، 17 ] . ورواه مسلم ، عن هارون بن معروف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية