الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم عطف على جملة أولم يتفكروا في أنفسهم وهو مثل الذي عطف هو عليه متصل بما يتضمنه قوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن من أسباب عدم علمهم تكذيبهم الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أنبأهم بالبعث ، فلما سيق إليهم دليل حكمة البعث والجزاء بالحق أعقب بإنذارهم موعظة لهم بعواقب الأمم الذين كذبوا رسلهم لأن المقصود هو عاقبة تكذيبهم رسل الله وهو قوله وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم الآية .

والأمر بالسير في الأرض تقدم في قوله تعالى قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين في سورة الأنعام وقوله قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق في سورة العنكبوت .

والاستفهام في أولم يسيروا تقريري . وجاء التقرير على النفي للوجه الذي ذكرناه في قوله تعالى ألم يروا أنه لا يكلمهم وقوله ألم يأتكم رسل منكم في الأعراف ، وقوله أليس في جهنم مثوى للكافرين في آخر العنكبوت .

والأرض : اسم للكرة التي عليها الناس .

[ ص: 56 ] والنظر : هنا نظر العين لأن قريشا كانوا يمرون في أسفارهم إلى الشام على ديار ثمود وقوم لوط وفي أسفارهم إلى اليمن على ديار عاد .

وكيفية العاقبة هي حالة آخر أمرهم من خراب بلادهم وانقطاع أعقابهم فعاضد دلالة التفكر التي في قوله أولم يتفكروا في أنفسهم الآية . بدلالة الحس بقوله فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .

وكيف استفهام معلق فعل ( ينظروا ) عن مفعوله ، فكأنه قيل : فينظروا ثم استؤنف فقيل : كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .

والعاقبة : آخر الأمر من الخير والشر ، بخلاف العقبى فهي للخير خاصة إلا في مقام المشاكلة ، وتقدم ذكر العاقبة في قوله والعاقبة للمتقين في الأعراف .

وقد جمع قوله فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وعيدا على تكذيبهم النبيء صلى الله عليه وسلم وتجهيلا لإحالتهم الممكن ، حيث أيقنوا بأن الفرس لا يغلبون بعد انتصارهم .

فهذه آثار أمم عظيمة كانت سائدة على الأرض فزال ملكهم وخلت بلادهم من سبب تغلب أمم أخرى عليهم .

والمراد بالذين من قبلهم عاد وثمود وقوم لوط وأمثالهم الذين شاهد العرب آثارهم . والمعنى : أنهم كانوا من قبلهم في مثل حالتهم من الشرك وتكذيب الرسل المرسلين إليهم ، كما دل عليه قوله عقبه كانوا أشد منهم قوة . الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية