الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 131 ] ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى :( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما بين أن هؤلاء الكفار إن انتهوا عن كفرهم حصل لهم الغفران ، وإن عادوا فهم متوعدون بسنة الأولين ، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا فقال :( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) قال عروة بن الزبير : كان المؤمنون في مبدأ الدعوة يفتنون عن دين الله ، فافتتن من المسلمين بعضهم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة ، وفتنة ثانية وهو أنه لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة ، تآمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكة عن دينهم ، فأصاب المؤمنين جهد شديد ، فهذا هو المراد من الفتنة ، فأمر الله تعالى بقتالهم حتى تزول هذه الفتنة ، وفيه وجه آخر ، وهو أن مبالغة الناس في حبهم أديانهم أشد من مبالغتهم في حبهم أرواحهم ، فالكافر أبدا يسعى بأعظم وجوه السعي في إيذاء المؤمنين وفي إلقاء الشبهات في قلوبهم ، وفي إلقائهم في وجوه المحنة والمشقة ، وإذا وقعت المقاتلة زال الكفر والمشقة ، وخلص الإسلام وزالت تلك الفتن بالكلية ، قال القاضي : إنه تعالى أمر بقتالهم ثم بين العلة التي بها أوجب قتالهم ، فقال :( حتى لا تكون فتنة ) ويخلص الدين الذي هو دين الله من سائر الأديان ، وإنما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكلية ، إذا عرفت هذا فنقول : إما أن يكون المراد من الآية( وقاتلوهم ) لأجل أن يحصل هذا المعنى ، أو يكون المراد( وقاتلوهم ) لغرض أن يحصل هذا المعنى ، فإن كان المراد من الآية هو الأول وجب أن يحصل هذا المعنى من القتال ، فوجب أن يكون المراد( ويكون الدين كله ) في أرض مكة وما حواليها ؛ لأن المقصود حصل هنا ، قال عليه السلام : " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " ، ولا يمكن حمله على جميع البلاد ، إذ لو كان ذلك مرادا لما بقي الكفر فيها مع حصول القتال الذي أمر الله به ، وأما إذا كان المراد من الآية هو الثاني ، وهو قوله : قاتلوهم لغرض أن يكون الدين كله لله ، فعلى هذا التقدير لم يمتنع حمله على إزالة الكفر عن جميع العالم ؛ لأنه ليس كل ما كان غرضا للإنسان فإنه يحصل ، فكان المراد الأمر بالقتال لحصول هذا الغرض سواء حصل في نفس الأمر أو لم يحصل .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ) والمعنى( فإن انتهوا ) عن الكفر وسائر المعاصي بالتوبة والإيمان( فإن الله بما يعملون بصير ) عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم( وإن تولوا ) يعني عن التوبة والإيمان( فاعلموا أن الله مولاكم ) أي وليكم الذي يحفظكم ويرفع البلاء عنكم ، ثم بين أنه تعالى( نعم المولى ونعم النصير ) وكل ما كان في حماية هذا المولى وفي حفظه وكفايته ، كان آمنا من الآفات مصونا عن المخوفات .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية