الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون

هذا تذكير خاص لأهل مكة ، وإنما خصوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة قدوة لجميع القبائل ; ألا ترى أن أكثر قبائل العرب كانوا ينتظرون ماذا يكون من أهل مكة ، فلما أسلم أهل مكة يوم الفتح أقبلت وفود القبائل معلنة إسلامهم .

والجملة معطوفة على جملة فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله باعتبار ما [ ص: 34 ] اشتملت عليه تلك الجملة من تقريعهم على كفران نعم الله تعالى ؛ ولذلك عقبت هذه الجملة بقوله : وبنعمة الله يكفرون .

والاستفهام إنكاري ، وجعلت نعمة أمن بلدهم كالشيء المشاهد ، فأنكر عليهم عدم رؤيته ، فقوله : أنا جعلنا حرما آمنا مفعول يروا .

ومعنى هذه الآية يعلم مما تقدم عند الكلام على قوله تعالى : وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا في سورة القصص ، وقد كان أهل مكة في بحبوحة من الأمن ، وكان غيرهم من القبائل حول مكة وما بعد منها يغزو بعضهم بعضا ويتغاورون ويتناهبون ، وأهل مكة آمنون لا يعدو عليهم أحد مع قلتهم ، فذكرهم الله هذه النعمة عليهم .

والباطل : هو الشرك كما تقدم عند قوله : والذين آمنوا بالباطل في هذه السورة . ونعمة الله المراد بها الجنس الذي منه إنجاؤهم من الغرق ، وما عداه من النعم المحسوسة المعروفة ، ومن النعم الخفية التي لو تأملوا لأدركوا عظمها ، ومنها نعمة الرسالة المحمدية .

والمضارع في المواضع الثلاثة دال على تجدد الفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية