الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 126 ] ( 30 ) باب السلف وبيع العروض بعضها ببعض .

                                                                                                                        1326 - مالك ، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف .

                                                                                                                        29506 - قال مالك : وتفسير ذلك أن يقول الرجل للرجل : آخذ سلعتك بكذا وكذا ، على أن تسلفني كذا وكذا ، فإن عقدا بيعهما على هذا فهو غير جائز ، فإن ترك الذي اشترط السلف ، ما اشترط منه ، كان ذلك البيع جائزا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        29507 - قال أبو عمر : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ، وسلف من وجوه حسان .

                                                                                                                        29508 - منها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني أحمد بن زهير ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، عن أيوب ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده - عبد الله بن عمرو - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل بيع ، وسلف " وذكر تمام الحديث .

                                                                                                                        [ ص: 127 ] 29509 - وحديث عمرو بن شعيب مقبول عند جمهور أهل العلم بالحديث [ ص: 128 ] [ ص: 129 ] [ ص: 130 ] [ ص: 131 ] [ ص: 132 ] [ ص: 133 ] يحتجون بهذا روى عنه الثقات ، وإنما الواهي من حديثه ما يرويه الضعفاء عنه .

                                                                                                                        [ ص: 134 ] 29510 - وأما الصحيفة التي كانت عندهم فصحيفة مشهورة صحيحة معلوم ما فيها .

                                                                                                                        [ ص: 135 ] [ ص: 136 ] [ ص: 137 ] [ ص: 138 ] 29511 - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لعبد الله بن عمرو في الكتاب عنه .

                                                                                                                        [ ص: 139 ] [ ص: 140 ] 29512 - روينا عن أبي هريرة أنه قال : ليس أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحفظ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنه كتب ، ولم أكتب .

                                                                                                                        [ ص: 141 ] 29513 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : نعم ، قال : في الرضا والغضب ؟ قال : " نعم ، فإني لا أقول إلا حقا " .

                                                                                                                        29514 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في كتاب العلم .

                                                                                                                        29515 - وروينا عن علي بن المديني أنه قال : حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده صحيح متصل ، يحتج به ، لأنه سمع من أبيه ، وسمع شعيب من جده عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                        29516 - وقول علي هذا مع إمارته وعلمه بالحديث أولى ما قيل به في حديث عمرو بن شعيب مشروع ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        29517 - ولا خلاف بين الفقهاء بالحجاز والعراق أن البيع إذا انعقد على أن يسلف المبتاع البائع سلفا مع ما ذكر من ثمن السلعة ، أو سلف البائع المبتاع مع سلعته المبيعة سلفا ، ينعقد على ذلك ، والصفقة بينهما أن البيع فاسد عندهم ، لأنه يصير الثمن بالسلف مجهولا ، والسنة المجتمع عليها أنه لا يجوز [ ص: 142 ] الثمن إلا معلوما .

                                                                                                                        29518 - ألا ترى أنه إذا اشترى منه سلعة بعشرة على أن أسلفه خمسة ، أو عشرة ، فلم يكن الثمن عشرة إلا بما ينتفع به من السلف ، وذلك مجهول ، فلذلك صار الثمن غير معلوم .

                                                                                                                        29519 - وأما قول مالك : فإن ترك السلف الذي اشترطه كان البيع جائزا ، فهذا موضع اختلف فيه الفقهاء .

                                                                                                                        29520 - وكان سحنون يقول : إنما يصح البيع إذا لم يقبض السلف ، وترك ، وأما إذا قبض السلف فقد تم الربا بينهما ، والبيع - حينئذ - مفسوخ على كل حال .

                                                                                                                        29521 - قال أبو عمر : قد رواه بعضهم عن ابن القاسم ، عن مالك : " فإن رد السلف " ، وهو خطأ ، والصواب جاء في " الموطأ " : " ترك السلف " ، لأن رده لا يكون إلا بعد القبض ، وإذا قبض ، فهو كما قال سحنون .

                                                                                                                        29522 - وقال محمد بن مسلمة : من باع عبدا بمائة ، واشترط أن يسلفه سلفا كان البيع مفسوخا . إلا أن يقول المشتري ، لا حاجة لي في السلف قبل أن يقبضه ، فيجوز البيع .

                                                                                                                        29523 - قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك في البيع ، والسلف أنه إذا [ ص: 143 ] أدرك فسخ ، وإن فات ترك الذي قبض السلف السلف ، وكان للبائع قيمة سلعته يوم قبضها المبتاع ما بينه وبين ما باعها به ، فأدنى من ذلك إذا كان البائع هو الذي أسلف المبتاع سلفا ذهبا ، أو ورقا معجلا ، فإن زادت قيمة السلعة على الثمن الذي باعها به لم يرد عليه شيء ، لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا ، ولو أن المشتري كان هو الذي أسلف البائع فسخ البيع أيضا بينهما ، ورجع البائع بقيمة سلعته بالغا ما بلغت إلا أن تنقص قيمتها من الثمن ، فلا ينقص المشتري من الثمن ، لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا .

                                                                                                                        29524 - وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : لا يجوز البيع ، وإن رضي مشترط السلف بتركه .

                                                                                                                        29525 - وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهما ، وسائر العلماء لأن البيع إذا وقع فاسدا لم يجز ، وإن أجيز حتى يفسخ ، ويستأنف فيه عقد آخر ، والقيمة عنده بالغا ما بلغت ، وسواء كان المسلف البائع ، أو المشتري .

                                                                                                                        29526 - وقال الأبهري : قد روى بعض المدنيين عن مالك أنه لا يجوز ، وإن ترك السلف ، قال : وهو القياس أن يكون عقد البيع فاسدا في اشتراط السلف كالبيع في الخمر ، والخنزير ؛ لأن البيع قد وقع فاسدا ، فلا بد من فسخه ، إلا أن [ ص: 144 ] يفوت ، فيرد السلف ، ويصلح بالقيمة .

                                                                                                                        29526 م - قال أبو عمر : قد سأل محمد بن أحمد بن سهل البركاني عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق ، فقال : ما الفرق بين البيع ، والسلف ، وبين رجل باع غلاما بمائة دينار ، وزق خمر أو شيء حرام ، ثم قال : أنا أدع الزق أو الشيء الحرام قبل أن يأخذه وهذا البيع مفسوخ عند مالك غير جائز .

                                                                                                                        فقال إسماعيل : الفرق بينهما أن مشترط السلف هو مخير في أخذه ، وتركه ، وليس مسألتك كذلك ، وإنما ذلك يكون مثل مسألتك لو قال : أبيعك غلامي بمائة دينار على أني إن شئت أن تزيدني زق خمر زدتني وإن شئت تركته ، ثم ترك زق الخمر فجاز البيع ، ولو أخذه فسخ البيع .

                                                                                                                        29527 - قال أبو عمر : لم يصنع إسماعيل شيئا ، لأن مشتري الزق من الخمر إذا شاء أن يتركه تركه كصاحب السلف سواء ، ولم تقع مسألة السلف المشترط ، ولا مسألة الزق من الخمر المشترط أيضا في أصل البيع ، وعقد الصفقة على التخيير في واحدة من المسألتين ، ليس في واحدة منهما إن شئت أن تزيد ، ولا إن شئت أن تسلفني ، فاعتل إسماعيل بغير علة ، واحتج بغير حجة ، والأصل ما قدمت لك من أن البيع والسلف لا يقع من مجهول ، وكذلك الزق من الخمر يقع به الثمن مجهولا ، لسقوط بيع الخمر في الشريعة ؛ لأنها صفة جمعت حلالا وحراما ، [ ص: 145 ] فلو صححنا الحلال منها رجع الثمن إلى القيمة ، والبيع بالقيمة بيع بثمن مجهول .




                                                                                                                        الخدمات العلمية