الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل : أن النفس جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس ، وهو جسم نوراني علوي ، خفيف حي متحرك ، ينفذ في جوهر الأعضاء ، ويسري فيها سريان الماء في الورد ، وسريان الدهن في الزيتون ، والنار في الفحم . فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف ، بقي ذلك الجسم اللطيف ساريا في هذه الأعضاء ، وأفادها هذه الآثار ، من الحس والحركة الإرادية ، وإذا فسدت هذه ، بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها ، وخرجت عن قبول تلك الآثار ، فارق الروح البدن ، وانفصل إلى عالم الأرواح .

والدليل على ذلك قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية [ الزمر : 42 ] . ففيها الإخبار بتوفيها وإمساكها وإرسالها .

وقوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم [ الأنعام : 93 ] ففيها بسط الملائكة أيديهم لتناولها ، ووصفها بالإخراج والخروج ، والإخبار بعذابها ذلك اليوم ، والإخبار عن مجيئها إلى ربها .

وقوله تعالى : وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه [ ص: 566 ] الآية [ الأنعام : 60 ] . ففيها الإخبار بتوفي النفس بالليل ، وبعثها إلى أجسادها بالنهار ، وتوفي الملائكة لها عند الموت .

وقوله تعالى : ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي . [ الفجر : 27 - 30 ] ففيها وصفها بالرجوع والدخول والرضا . وقال صلى الله عليه وسلم : إن الروح إذا قبض تبعه البصر . ففيه وصفه بالقبض ، وأن البصر يراه . وقال صلى الله عليه وسلم في حديث بلال : قبض أرواحكم [ حين شاء ] وردها عليكم [ حين شاء ] . وقال صلى الله عليه وسلم : نسمة المؤمن [ ص: 567 ] طائر يعلق في شجر الجنة .

وسيأتي في الكلام على عذاب القبر أدلة كثيرة من خطاب ملك الموت لها ، وأنها تخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، وأنها تصعد ويوجد منها [ من المؤمن ] كأطيب ريح ، ومن الكافر كأنتن ريح ، إلى غير ذلك من الصفات . وعلى ذلك أجمع السلف ودل العقل ، وليس مع من خالف سوى الظنون الكاذبة ، والشبه الفاسدة ، التي لا يعارض بها ما دل عليه نصوص الوحي والأدلة العقلية .

التالي السابق


الخدمات العلمية