الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 227 ] صفة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، عليه السلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثبت في " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة أسري بي لقيت موسى - قال : فنعته - فإذا رجل - حسبته قال - : مضطرب - أي طويل - رجل الرأس ، كأنه من رجال شنوءة " . قال : " ولقيت عيسى " . فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ربعة أحمر ، كأنما خرج من ديماس " . يعني الحمام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وللبخاري من حديث مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عيسى ، وموسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض [ ص: 228 ] الصدر ، وأما موسى فآدم جسيم سبط ، كأنه من رجال الزط " . ولهما من طريق موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال ، فقال : " إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام ، وإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين ، وهو يطوف بالبيت . فقلت : من هذا؟ فقالوا : هذا المسيح ابن مريم . ثم رأيت رجلا وراءه ، جعدا قططا أعور عين اليمنى ، كأشبه من رأيت بابن قطن ، واضعا يديه على منكبي رجل ، يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا؟ قالوا : " المسيح الدجال " . تابعه عبيد الله ، عن نافع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى البخاري ، عن أحمد بن محمد المكي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : لا والله ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى : " أحمر " . ولكن قال : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر ، يهادى بين رجلين ، ينظف رأسه ماء - أو يهراق رأسه ماء - [ ص: 229 ] فقلت : من هذا؟ قالوا : ابن مريم . فذهبت ألتفت ، فإذا رجل أحمر جسيم ، جعد الرأس ، أعور عينه اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية . قلت : من هذا؟ قالوا : هذا الدجال ، وأقرب الناس به شبها ابن قطن " . قال الزهري : رجل من خزاعة هلك في الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم في حديث النواس بن سمعان : " فينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هذا هو الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، وقد رأيت في بعض الكتب : أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق . فلعل هذا هو المحفوظ ، وتكون الرواية : " فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق " فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم ، وليس في دمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق من شرقيه ، وهذا هو الأنسب والأليق; لأنه ينزل ، وقد أقيمت الصلاة ، فيقول له إمام المسلمين : " يا روح الله تقدم " . فيقول : " تقدم أنت ، فإنها إنما أقيمت لك " . وفي رواية : " بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد جدد بناء منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، من حجارة بيض ، من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها ، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة ، حيث قبض الله بناء هذه المنارة البيضاء من أموال [ ص: 230 ] النصارى ، لينزل عيسى ابن مريم عليها ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ولا يقبل منهم جزية ، ومن لم يسلم قتله ، وكذلك يكون حكمه في سائر كفار أهل الأرض يومئذ ، فإنه لا يبقى حكم في أهل الأرض إلا له ، وهذا من باب الإخبار عن المسيح بذلك ، فإن الله قد سوغ له ذلك ، وشرعه له ، فإنه إنما يحكم بمقتضى هذه الشريعة المطهرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ورد في بعض الأحاديث ، كما تقدم ، أنه ينزل ببيت المقدس ، والأحاديث تقتضي أن الدجال يقتل بلد قبل أن يدخل بيت المقدس ، فتدل على أنه لا يدخله الدجال كمكة والمدينة حماية له منه ، وفي رواية : أن عيسى ينزل بالأردن ، وفي رواية بمعسكر المسلمين ، وهذا في بعض روايات مسلم ، كما تقدم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة : " وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ويهلك الله تعالى في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " . رواه أحمد ، وأبو داود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 231 ] وهكذا وقع في هذا الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه يمكث في الأرض سبع سنين . فهذا مع هذا مشكل ، اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله ، ويكون ذلك محمولا على مكثه فيها قبل رفعه مضافا إليه ، وكان عمره قبل رفعه ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور . وهذه السبع تكملة الأربعين ، فيكون هذا مدة مقامه في الأرض قبل رفعه وبعد نزوله ، . وأما مقامه في السماء قبل نزوله فهو مدة طويلة . والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت في الصحيح أن يأجوج ومأجوج يخرجون في زمانه ويهلكهم الله ببركة دعائه في ليلة واحدة كما تقدم وكما سيأتي ، وثبت أنه يحج في مدة إقامته في الأرض بعد نزوله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن كعب القرظي : في الكتب المنزلة ، أن أصحاب الكهف يكونون في حواريه ، وأنهم يحجون معه ، ذكره القرطبي في الملاحم ، في آخر كتاب " التذكرة " ، وتكون وفاته بالمدينة النبوية ، فيصلى عليه هنالك ، ويدفن بالحجرة النبوية . وقد ذكر ذلك ابن عساكر ، ورواه أبو عيسى الترمذي في " جامعه " ، عن عبد الله بن سلام ، فقال في كتاب المناقب : حدثنا زيد بن أخزم الطائي البصري ، حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ، حدثنا أبو مودود المدني ، [ ص: 232 ] حدثنا عثمان بن الضحاك ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : مكتوب في التوراة صفة محمد ، وعيسى ابن مريم يدفن معه . قال : فقال أبو مودود : وقد بقي في البيت موضع قبر . ثم قال : هذا حديث حسن غريب . هكذا قال عثمان بن الضحاك ، والمعروف الضحاك بن عثمان المدني . انتهى ما ذكره الترمذي ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الطبراني من حديث عبد الله بن نافع ، عن عثمان بن الضحاك ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : يدفن عيسى ابن مريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر ، فيكون قبره رابعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي ، عن علي بن مسعدة ، عن رياح بن عبيدة ، حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال : يمكث الناس بعد الدجال يعمرون الأسواق ، ويغرسون النخل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية