الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عودة قاضي القضاة تاج الدين السبكي إلى دمشق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى قدم من ناحية الكسوة ، وقد تلقاه جماعة من الأعيان إلى الصنمين وما فوقها ، فلما وصل إلى الكسوة كثر الناس جدا ، وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج ، فلما أشرف من عقبة سجورا تلقاه خلائق لا يحصون كثرة ، وأشعلت الشموع حتى مع النساء ، والناس في سرور عظيم ، فلما كان قريبا من الجسورة تلقته السناجق الخليفتية مع الجوامع ، والمؤذنون يكبرون ، والناس في سرور كثير ، ولما قارب باب النصر وقع مطر عظيم ، والناس معه لا تسعهم الطرقات ، يدعون له ، ويفرحون بقدومه ، فدخل دار السعادة ، وسلم على نائب السلطنة ، ثم دخل الجامع بعد العصر ، ومعه شموع عظيمة ، والرؤساء أكثر من العامة . ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادى الآخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة ، وقد استدعى نائب السلطنة بالقاضيين; المالكي والحنبلي ، فأصلح بينهم ، وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشون إلى الجامع ، فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك ، وضيفهما الشافعي ، [ ص: 713 ] ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة ، ثم خرجوا ثلاثتهم من جوا إلى دار المالكي ، فاجتمعوا هنالك ، وضيفهم المالكي هنالك ما تيسر ، والله الموفق للصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصا له ، والنصف الآخر يكون لأجناده ، فحصل بهذا رفق عظيم بالجند وعدل كثير - ولله الحمد - وأن يتجهز الأجناد ويحرضوا على السبق ، والرمي بالنشاب ، وأن يكونوا مستعدين ، متى استنفروا نفروا ، فاستعدوا لذلك ، وتأهبوا لقتال الفرنج كما قال الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم الآية [ الأنفال : 60 ] . وثبت في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال على المنبر : ألا إن القوة الرمي ، وفي الحديث الآخر : ارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك; وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع أوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب ، وإثبات إعسارات أيضا كذلك ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية