الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 362 ] سورة العلق [ فيها خمس آيات ] الآية الأولى قوله تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } : فيها مسألة واحدة .

                                                                                                                                                                                                              القول : في أول ما نزل من القرآن ، وفيه أربعة أقوال : الأول : هذه السورة ; قالته عائشة ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه نزل { يأيها المدثر } ; قاله جابر .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أول ما نزل من القرآن : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } .

                                                                                                                                                                                                              الرابع قال أبو ميسرة الهمداني : أول ما نزل فاتحة الكتاب .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح ما رواه الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها ; قالت : { كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه . والتحنث التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثل ذلك ، حتى فجئه الوحي ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق } إلى قوله : { علم الإنسان ما لم يعلم } . فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفؤاده يرجف ; حتى [ ص: 363 ] دخل على خديجة ، فقال : زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة : أي خديجة ، ما لي ؟ لقد خشيت على نفسي . فأخبرها الخبر ، فقالت خديجة : كلا ، أبشر . فوالله لا يخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، ويكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت خديجة : يا بن عم ، اسمع من ابن أخيك . قال ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أومخرجي هم ، قال ورقة : نعم ، لم يأت أحد بما جئت به إلا أوذي ، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة ، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم }

                                                                                                                                                                                                              . قال محمد بن شهاب : فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه : بينا أنا أمشي سمعت صوتا ، فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي قد جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، ففزعت منه ، فرجعت فقلت : زملوني ، دثروني ، فدثروه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر } } .

                                                                                                                                                                                                              قال أبو سلمة : وهي الأوثان التي كانت الجاهلية تعبدها ، ثم تتابع الوحي .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية