الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين

الواو عاطفة على قوله : فاذكروا الله عند المشعر الحرام والعطف يقتضي أن الذكر المأمور به هنا غير الذكر المأمور به في قوله : فاذكروا الله عند المشعر الحرام فيكون هذا أمرا بالذكر على العموم بعد الأمر بذكر خاص ، فهو في معنى التذييل بعد الأمر بالذكر الخاص في المشعر الحرام .

ويجوز أن يكون المراد من هذه الجملة هو قوله : كما هداكم فموقعها موقع التذييل . وكان مقتضى الظاهر ألا تعطف بل تفصل وعدل عن مقتضى الظاهر ، فعطفت بالواو باعتبار مغايرتها للجملة التي قبلها بما فيها من تعليل الذكر وبيان سببه ، وهي مغايرة ضعيفة لكنها تصحح العطف كما في قول الحارث بن همام الشيباني :


أيا ابن زيابة إن تلقني لا تلقني في النعم العازب     وتلقني يشتد بي أجرد
مستقدم البركة كالراكب

[ ص: 242 ] فإن جملة " تلقني " الثانية هي بمنزلة بدل الاشتمال من " لا تلقني في النعم العازب " لأن معناه لا تلقني راعي إبل ، وذلك النفي يقتضي كونه فارسا ؛ إذ لا يخلو الرجل عن إحدى الحالتين ، فكان الظاهر فصل جملة " تلقني يشتد بي أجرد " لكنه وصلها لمغايرة ما .

وقوله : كما هداكم تشبيه للذكر بالهدى و " ما " مصدرية .

ومعنى التشبيه في مثل هذا المشابهة في التساوي ؛ أي : اذكروه ذكرا مساويا لهدايته إياكم فيفيد معنى المجازاة والمكافأة ، فلذلك يقولون : إن الكاف في مثله للتعليل ، وقد تقدم الفرق بينها وبين كاف المجازاة عند قوله تعالى : فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا وكثر ذلك في الكاف التي اقترنت بها ( ما ) كيف كانت ، وقيل : ذلك خاص بـ " ما " الكافة ، والحق أنه وارد في الكاف المقترنة بـ " ما " وفي غيرها .

وضمير ( من قبله ) يرجع إلى الهدى المأخوذ من " ما " المصدرية و ( إن ) مخففة من " إن " الثقيلة .

والمراد ضلالهم في الجاهلية بعبادة الأصنام وتغيير المناسك وغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية