الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( 92 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لفرعون : اليوم نجعلك على نجوة من الأرض ببدنك ، ينظر إليك هالكا من كذب بهلاكك ( لتكون لمن خلفك آية ) ، يقول : لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك ، فينزجرون عن معصية الله ، والكفر به والسعي في أرضه بالفساد . [ ص: 195 ]

و " النجوة " الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض ، ومنه قول أوس بن حجر :


فمن بعقوته كمن بنجوته والمستكن كمن يمشي بقرواح



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17868 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، عن أبي السليل عن قيس بن عباد وغيره قال : قالت بنو إسرائيل لموسى : إنه لم يمت فرعون ! قال : فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه مثل الثور الأحمر .

17869 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن سعيد الجريري عن أبي السليل عن قيس بن عباد قال وكان من أكثر الناس ، أو أحدث الناس عن بنى إسرائيل قال : فحدثنا أن أول جنود فرعون لما انتهى إلى البحر ، هابت الخيل اللهب .

قال : ومثل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها أحسبه أنا قال : فانسل فاتبعته . قال : فلما تتام آخر جنودفرعون في البحر ، وخرج آخر بني إسرائيل ، أمر البحر فانطبق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا! فسمع الله تكذيبهم نبيه ، قال : [ ص: 196 ] فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر ، يتراءاه بنو إسرائيل .

17870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن شداد : ( فاليوم ننجيك ببدنك ) ، قال : " بدنه " ، جسده ، رمى به البحر .

17871 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن مجاهد : ( فاليوم ننجيك ببدنك ) قال : بجسدك .

17872 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

17873 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله .

17874 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا الأصبغ بن زيد عن القاسم بن أبي أيوب قال : حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما جاوز موسى البحر بجميع من معه ، التقى البحر عليهم يعني على فرعون وقومه فأغرقهم ، فقال أصحاب موسى : إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ، ولا نؤمن بهلاكه! فدعا ربه فأخرجه فنبذه البحر ، حتى استيقنوا بهلاكه .

17875 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) ، يقول : أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه .

17876 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( لتكون لمن خلفك آية ) ، قال : لما أغرق الله فرعون لم تصدق طائفة من الناس بذلك ، فأخرجه الله آية وعظة .

17877 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 197 ] ابن التيمي عن أبيه ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد أو غيره ، بنحو حديث ابن عبد الأعلى عن معمر .

17878 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد : ( فاليوم ننجيك ببدنك ) ، قال : بجسدك .

17879 - قال : حدثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : بلغني عن مجاهد : ( فاليوم ننجيك ببدنك ) ، قال : بجسدك .

17880 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون فرمى به على ساحل البحر ليراه بنو إسرائيل ، قال : أحمر كأنه ثور .

وقال آخرون : تنجو بجسدك من البحر ، فنخرجه منه .

ذكر من قال ذلك :

17881 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) ، يقول : أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر ، فنظروا إليه بعد ما غرق .

فإن قال قائل : وما وجه قوله : ( ببدنك ) ؟ وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه ، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه ( ببدنك ) ؟

قيل : كان جائزا أن ينجيه بهيئته حيا كما دخل البحر . فلما كان جائزا [ ص: 198 ] ذلك قيل : ( فاليوم ننجيك ببدنك ) ، ليعلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح ، ولكن ميتا .

وقوله : ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون )

، يقول ، تعالى ذكره : ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا ) ، يعني : عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة والألوهة لنا خالصة ( لغافلون ) ، يقول : لساهون ، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية