الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 224 ] ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت يوم الأحد في كانون الأصم ، والحكام هم المذكورون في التي قبلها ، غير أن والي البر بدمشق هو الأمير علاء الدين علي بن الحسن المرواني ، باشرها في صفر من السنة الماضية . وفي صفر من هذه السنة باشر ولاية دمشق الأمير شهاب الدين بن برق ، عوضا عن صارم الدين الجوكندار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفر عوفي القاضي كريم الدين - وكيل السلطان - من مرض كان قد أصابه ، فزينت القاهرة ، وأشعلت الشموع ، وجمع الفقراء بالمارستان المنصوري ليأخذوا من صدقته ، فمات بعضهم من الزحام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي سلخ ربيع الأول درس الإمام العلامة المحدث تقي الدين السبكي الشافعي بالمنصورية بالقاهرة ، عوضا عن القاضي جمال الدين الزرعي ، بمقتضى انتقاله إلى دمشق ، وحضر عنده علاء الدين شيخ الشيوخ القونوي الشافعي ، ودرس بعده بجامع الحاكم شمس الدين محمد بن أحمد بن عدلان بالعزية ، وكانت ولاية القاضي جمال الدين الزرعي لقضاء الشام [ ص: 225 ] عوضا عن النجم ابن صصرى في يوم الجمعة رابع عشرين ربيع الأول ، وخلع عليه بمصر ، وكان قدومه إلى دمشق آخر نهار الأربعاء رابع جمادى الأولى ، فنزل العادلية ، وقد قدم على القضاء ، ومشيخة الشيوخ ، وقضاء العساكر ، وتدريس العادلية ، والغزالية ، والأتابكية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر مسك القاضي كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد ، وكيل السلطان ، وكان قد بلغ من المنزلة والمكانة عند السلطان ما لم يصل إليه غيره من الوزراء الكبار ، واحتيط على أمواله وحواصله ، ورسم عليه عند نائب السلطنة ، ثم رسم له أن يكون بتربته التي بالقرافة ، ثم نفي إلى الشوبك ، وأنعم عليه بشيء من المال ، ثم أذن له بالإقامة بالقدس الشريف برباطه . ومسك ابن أخيه كريم الدين الصغير ناظر الدواوين ، وأخذت أمواله ، وحبس في برج ، وفرح العامة بذلك ، ودعوا للسلطان بسبب مسكهما ، ثم أخرج إلى صفد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وطلب من القدس أمين الملك عبد الله ، فولي الوزارة بمصر ، وخلع عليه عودا على بدء ، وفرح العامة بذلك ، وأشعلوا له الشموع ، وطلب الصاحب شمس الدين غبريال من دمشق ، فركب ومعه أموال كثيرة ، ثم خول أموال كريم الدين الكبير ، وعاد إلى دمشق مكرما ، وقدم القاضي معين الدين بن الحشيش على نظر الجيوش الشامية ، عوضا عن القطب ابن شيخ السلامية ، [ ص: 226 ] عزل عنها ، ورسم عليه في العذراوية نحوا من عشرين يوما ، ثم أذن له في الانصراف إلى منزله مصروفا عنها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جمادى الأولى عزل طرقشي عن شد الدواوين ، وتولاها الأمير بكتمر والي الولاة . وفي ثاني جمادى الآخرة باشر القاضي ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي ، وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الأيتام عوضا عن ابن هلال . وفي شعبان أعيد طرقشي إلى الشد ، وسافر بكتمر إلى نيابة الإسكندرية ، فكان بها إلى أن توفي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان قدم جماعة من حجاج الشرق وفيهم بنت الملك أبغا بن هولاكو ، وأخت أرغون ، وعمة قازان وخربندا ، فأكرمت ، وأنزلت بالقصر الأبلق ، وأجريت عليها الإقامات والنفقات إلى أوان الحج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج الركب يوم الاثنين ثامن شوال ، وأميره قطليجا الأبو بكري الذي بالقصاعين ، وقاضي الركب شمس الدين قاضي القضاة ابن مسلم الحنبلي ، وحج معهم جمال الدين المزي ، وعماد الدين بن الشيرجي ، وفوض الكلام في ذلك إلى شرف الدين بن سعد بن نجيح ، كذا أخبرني به شهاب الدين الظاهري . ومن المصريين قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ، وولده عز الدين وفخر الدين كاتب المماليك ، وشمس الدين الحارثي ، وشهاب الدين الأذرعي ، وعلاء الدين الفارسي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 227 ] وفي شوال باشر تقي الدين السبكي مشيخة دار الحديث الظاهرية بالقاهرة بعد وفاة زكي الدين المنادي ، ويقال له : عبد العظيم بن الحافظ شرف الدين الدمياطي . ثم انتزعت من السبكي لفتح الدين بن سيد الناس اليعمري ، باشرها في ذي القعدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس مستهل ذي الحجة خلع على قطب الدين ابن شيخ السلامية ، وأعيد إلى نظر الجيش مصاحبا لمعين الدين بن الحشيش ، ثم بعد مديدة استقل قطب الدين بالنظر وحده ، وعزل ابن حشيش .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية